تعليق على مقال الدكتور عبد الله علي إبراهيم الذي بعنوان: منظمة الدعوة الاسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم

تعليق على مقال الدكتور عبد الله علي ابراهيم، والذي بعنوان: منظمة الدعوة الاسلامية ……ولماذا كنا دولة مقرها اصلا

  • بقلم: عبدالله حسن زروق

في ما يلي المحاور التي  سيتناولها التعليق:

  • مقدمة
  • طبيعة المستهدفين بالدعوة
  • اتهام آلافارقة بالوثنية
  • دعوة الجماعات الأفريقية غير المساكنة
  • تقليد منظمة الدعوة للتبشير المسيحي
  • دولة الأنقاذ  يحكمها كادر منظمة الدعوة الإسلامية
  • الفكر الغربي والتعددية : الديمقراطية والمواطنة والعلمانية
  • دكتور عبدالله ومشكلة الحكم في السودان : مجتمع متعدد الثقافات
  • مشكلة الحكم في السودان : بلد متعدد الثقافات
  • مشكلة الحكم حاليا في السودان
  • الهدف من إنشاء دولة الانقاذ هو الجهاد والتبشير
  • منظمة الدعوة الإسلامية تعمل للدعوة بالوكالة
  • مفهوم الدعوة من منظور إسلامي:
  • فضلها .
  • وجوبها الديني والأخلاقي.
  • شروط ممارستها واسلوبها وادابها
  •  طبيعة المستهدفين بالدعوة .
  • اشتغال الحاكم بالدعوة ، وانعكاسات ذلك على مقولات دكتورعبد الله عن الدعاة والرعاة .
  • الخلاصة
  • مقدمة

مقال دكتور عبد الله في رأي المعلق كتب ليتناول مشكلة الحكم في السودان قبل انفصال الجنوب. لكن المعلق سيتناول بجانب ما تناوله د. عبد الله مشكلة الحكم الحالية في السودان، كما سيتناول قضية الدعوة من حيث هي دعوة دون ملابستها بممارسة منظمة الدعوة الإسلامية. المعلق يرى أن الحديث عن ممارسة منظمة الدعوة الاسلامية من المناسب أن يتناوله من قاموا بادارتها او شاركوا في تلك الإدارة.

     ليس الغرض من هذا التعليق التعليق على ما ورد في مقال الدكتور فقط، ولكن المعلق وجدها فرصة ليبين بعض معاني الدين وبعض القضايا السياسية التي لها صلة بما قاله دكتور عبد الله والتي يعتبرها هامة بما تيسر له من معرفة.

من هذه القضايا : هل يجوز دعوة آخرين لدين او عقيدة او نظام حياة!

واذا جاز ذلك ما هي الشروط التي ينبغي ان تتوفر في الدعوة حتى يسمح  بممارستها؟

ومن القضايا السياسية العامة التي تقلق المفكرين والسياسيين هي :

كيف يحكم مجتمع متعدد الثقافات! وهل من حل لمشكلة الحكم الراهنة في السودان بعد انفصال الجنوب.

بهذا يود المعلق أن يوسع من مغزى مناقشة مقال دكتور عبد الله بالرغم ما للمقال من مغزى في ذاته.

يعتبر المعلق أن حديث دكتور عبدالله عن الفرضيات : الفراغ العقدي والوثنية غير دقيق. بجانب هذا له مقولات غير  صحيحة كقوله أن حكومة  الإنقاذ يحكمها كادر منظمة الدعوة الإسلامية وهناك مقولات مبالغ فيها كوصفه منظمة الدعوة الإسلامية بأنها بعثة تبشيرية خارجية وقوله أن دولة الأنقاذ قامت بها بهدف الجهاد والتبشير

ثم يتناول المعلق القضية الأساس التي تناولها دكتور عبدالله وهي كيفية التعامل مع بناء مجتمع متعدد الثقافات واستخدام الكاتب مفاهيم تحليلة كمفهوم الدعاة والرعاة والذي لم يكن فيه موفقا. لبيان ذلك فسوف يوضح المعلق مفهوم الدعوة من منظور إسلامي.

  • طبيعة المستهدفين بالدعوة :

قال الدكتور عبدالله أن الجماعة الإسلامية تعتبر أن المستهدفين بالدعوة من آلافريقيين لا ثقافة ولا دين لهم وأنهم خالين من العقيدة.

أقول أن الذي يود كسب من يستهدف قد يبدأ بتصنيف المستهدفين:

فقد يعتبر البعض انه من المفيد أن يستهدف من يسهل كسبه ولا يتطلب ذلك الكسب جهدا كبيرا، وقد يرى انه ينبغي أن يستهدف من كسبه قد يؤدي إلى نفع كبير،وقد يرى أن من واجبه أن يستهدف كل إنسان لأن من حق كل فرد أن يصل الىه خير الدعوة، وقد يرى من هوخال من العقيدة أفضل من غيره للاستهداف لأن بعض العقائد تشوش على ذهن صاحبها وتجعله عصى على الاستجابة، فالمتلبس بها كانما تلبسه مرض يعوقه من تقبل ما هو نافع فهو كالمريض الذي يرفض الاكل والشرب فالشخص الذي على فطرته كالشخص المعافى من المرض القابل ان يستجيب لدعوة الحق والخير.

تجدر الاشارة الى ان بعض المفكرين الافريقيين لا يقبلون وصف الغربيين الافريقيين بالبدائيين لانه في اعتقادهم ان الوصف يتضمن الذم ويقولون ان عقلانية الغرب لم توصل الغرب الى حياة خيرة مرضية. والامثلة على الافكار والمعتقدات والنظريات الفاسدة التي تتلبس بذهن الانسان لا حصر لها. وقد لا يظهر فسادها  وعقمها وقت اعتقادها. ومن امثلة النظريات الفاسدة الخاطئة التي سيطرت على كثير من العقول الوضعية المنطقية والماركسية.

فالوضعية في القرن الماضي الى منتصفه كانت مسيطرة على الساحة الفلسفية ولا تكاد تنافسها نظرية. وما يقال عن الوضعية يمكن ان يقال على نظريات اخرى. قال استيورت هامشير عن نظرية المنفعة العامة التي احتفى بها الكثيرون وما زال البعض يحتفي بها: ان كثيرا من الاغتيالات ارتكبت ببرود وشنت الحروب المدمرة لانها تعتبر في نظر فاعليها اعمالا تؤدي الى نفع الانسانية. وقال: لقد استخدم السياسيون والبرلمانيون مبدا الربح والخسارة لتبرير الدمار الذي يقومون به. ان العقلية النفعية انتجت نوعا جديدا من القسوة في السياسة. ان التفكير الكمي الميكانيكي  ادى الى تدمير كيانات اجتماعية وحضارات كثيرة.

من ناحية اخرى قد يستهدف الداعية المفكر والعالم، لان العالم الحق يستجيب للحجة ويذعن للحق ( انما يخشى الله من عباده العلماء) وقد يستهدف الداعية رموز المجتمع الفكرية وقادته، لانه اذا كسب هؤلاء، والقوم تبعا لهم سيكسب القوم. وقد يكون الرموز متمنعيين واصعب استجابة، وقد يكون سبب التمنع انهم سيفقدون مكانتهم ومصالحهم. (قال فرعون امنتم به قبل ان اذن لكم) وأيضا (قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد). فالاعتبارات كثيرة والتقديرات قد تكون مختلفة والدوافع والاراء متعددة ومنها قوله اللهم انصر الاسلام باحدى العمرين، وهل تنصرون الا بضعفائكم، وقوله تعالى (عبس وتولى ان جاءه الاعمى، وما يدريك لعله يتذكى).

ونقول في نهاية الحديث عن هذه القضية: قد يكون اعتبار قوم خالين من العقيدة مدحا وليس ذما لهم. وتجدر الاشارة ان قول الدكتور عبد الله ان كل تبشير ( لاحظ قوله كل تبشير ) يفترض ان المستهدفين لا دين لهم ولاثقافة تعميم خاطئ، فان جاز فقد يجوز في حق البعض، اذ ليس بالضرورة ان يستهدف الداعية من لادين ولا ثقافة لهم . فان الواقع يكذب قوله هذا لان دعاة الاسلام يدعون الاروبيين والامريكان وغيرهم للاسلام ، ومنهم مسيحيون ومنهم غير مؤمنين بدين. وهؤلاء لهم عقائد يؤمنون بها وينافحون عنها.

  • اتهام الأفارقة بالوثنية: 

قال دكتور عبد الله : ان الدعاة الاسلاميين يتهمون المستهدفين الافريقيين بالوثنية. قد يفهم من انكاره قولهم هذا انه توصيف غير صحيح للديانات الافريقية. وقد يفهم منه، وعندي هذا الارجح ان وصف دينهم بالوثنية تقليل لقيمة معتقدهم، لان قيمة الوثنية كمعتقد متدنية في سلم رقي الاديان والمعتقدات وهو ما لا ينسجم مع رؤية الدكتور الكلية. وتجدر الاشارة الى انه ليس هناك اتفاق  بين الدارسين حول طبيعة الاديان الافريقية والراجح عندي هو انها اقرب الى الوثنية، وانها ليست توحيدية تجريدية، او من الصعب وصفها بذلك. يعتبر بعض الدارسين انها اديان روحية(animism) وتعني الاعتقاد في ان كل الاشياء لها ارواح. وهناك من وصفها بالفشتية (fetishism) وهذه النظرية تعتبر ان للاشياء قوة سحرية ومن قال بالطاوية (toasim) التي ترجع الاشياء المقدسة الى ارواح الاسلاف. ومن قال بوجود كائن اعلى واسمى، ولكن هذا الكائن ليس متميزا تماما عن الموجودات المقدسة الأخرى لانها تشارك هذا الكائن الاسمى صفة الخلق ولانها تعبد. ومن قال بوحدة الوجود. هذه الاقوال تجعل الديانات الافريقية اقرب للوثنية ، ومختلفة عن دين توحيدي كالاسلام. وعلى اية حال نقول ان الافريقيين يجوز دعوتهم للاسلام بصرف النظرعن طبيعة دينهم بل ان دعوتهم واجبة اخلاقيا ودينيا. ما يمنع دعوتهم او يجعلها غير ذات جدوى اذا صح القول بنسبية الحقائق والقيم . واذا صحت النسبية سيصح عدم تفاضل المعتقدات ونظم الحياة وذلك من حيث حسنها وجمالها وموافقتها للحق، ولكن الاشياء في الحقيقة تتفاضل من حيث الحسن والخيرية والجمال ومن حيث الصحة والبطلان.

  • دعوة الجماعات الافريقية غير المساكنة

 دعوة الجماعات الافريقية غير المساكنة- هل من مشكل؟

      لم يميز دكتور عبد الله بين دعوة الجماعات المساكنة في السودان والجماعات الافريقية غير المساكنة في البلدان الافريقية الأخرى. انه من راي المعلق ليست هناك مشكلة بالنسبة للدعوة خارج السودان ذات بال. الا ان يكون راي دكتور عبد الله انه لا يسمح بالدعوة في ذاتها وتحت كل الظروف. هذا الراي تم دحضده فيما سبق من حديث. ان الدعوة خارج السودان تكون مشروعة اذا سمحت الدولة المستهدفة بنشاطها. ان السماح لمنظمة بالعمل في دولة ما تقع مسؤوليته على الدولة المستهدفة. وعموما الاعراف الدولية تسمح للجمعيات الخيرية وجمعيات الاغاثة بالعمل في مجالات مختلفة : المجال الصحي والتعليمي والاجتماعي.فلا إشكال ان تقوم منظمة الدعوة بهذه الانشطة بشرط ان تسمح لها الدولة المستهدفة بذلك. هذه النشاطات عادة تقدم خدمات ومساعدات للمواطنين المحتاجين . والمسلمين في الغالب يكونوا في هذه الشريحة. قد تقوم بعض المنظمات بانشطة غير مسموح بها ، بان تقوم مثلا بمساعدة حركات متمردة ضد الدولة. لكن من واجب الدولة المعنية مسؤولية مراقبة تلك التجاوزات. وعلى المنظمة واجب اخلاقى ان تلتزم بالعهد الذي بينها وبين الدولة المستهزفة.

  • تقليد منظمة الدعوة للتبشير المسيحي
  • قال دكتور عبد الله ان منظمة الدعوة ، استعارت من التبشير المسيحي نموذجه التنظيمي والفكري.
  • لا اعتقد ان هناك مشكل في الاستعارة. فالشعوب والحضارات تستعير من بعضها البعض .
  • ان الدعوة في ذاتها جزء اصيل في الاسلام ، واوجب الاسلام على المسلمين القيام بها . الا ان دكتور عبد الله يعتبر الدعوة في ذاتها نشاط غير مقبول . ولقد سبق للمعلق ان ناقش اعتراض دكتور عبد الله على ما اسماه افتراضات الدعاة المسلمين وبين ضعف اعتراضه .
  • ينبغي الاشارة الى ان المسلمين في الاونة الاخيرة أصابهم ضعف ، فصاروا لا يقومون بما يأمرهم دينهم القيام به ، الا عندما ينبههم غيرهم لفائدته ، لكن من الافضل أن يتنبهوا له قبل ان ينبههم غيرهم به ما دام دينهم يأمرهم به ، ولكن لا باس ان يقوموا به عند هذا التنبيه .ولا يجوز للمسلم ان يستعير من الآخر ما يعارض مبادئ دينه . وقول دكتور عبد الله ان منظمة الدعوة استعارت نموذج التبشير المسيحي الفكري والتنظيمي .ان النموذج التنظيمي في الغالب جملة من الوسائل ، التي لا تمس القيم . اما قوله تقليدهم في نموذجهم الفكري فغير واضح ما يقصد به .
  • حكومة الإنقاذ يحكمها كادر منظمة الدعوة     

  قال دكتور عبد الله ( انه تنبا بدولة يحكمها كادر منظمة الدعوة الاسلامية) وقال: ( لم يقع كلامي ارضا )

والدليل على ذلك ان بيان انقلاب الانقاذ  صدر من استديوهات منظمة الدعوة الاسلامية. اذا صح هذا فانه يدل على ان الحركة الاسلامية كانت تستخدم منظمة الدعو الاسلامية لاغراضها. وان المنظمة كانت ذراعا للحركة الاسلامية . المعلق لا يعلم من كان يحكم دولة الإنقاذ ولا يود ان يجازف بابداء راي في ذلك. فقد كتب بعضهم في ذلك وفمنهم من قال كانت تحكمها مجموعة صغيرة من التنظيم ومن قال تحالف بين اصحاب المال والامن والقبيلة ومن قال كان لحكمها رجل واحد، وكلها تفسيرات معقولة ولها من الادلة ما يدعمها.

ان القضية الاساس في مقال دكتور عبد الله هي قضية المساكنة، اي كيف نبني نظام حكم مرضي في مجتمع متعدد الثقافات ( وهو يعني المجتمع السوداني قبل انفصال الجنوب). ان قضية كيف نبني نظام حكم في مجتمع متعدد الثقافات تواجه كثيرا من الدول والمجتمعات. لكن قد تختلف طبيعتها من دولة الى دولة  اخرى.وقد تكون اكثر الحاحا في دولة دون اخرى. ان مشكلة ايجاد صيغة مرضية للحكم في مجتمع متعدد الثقافات ما زات تؤرق المفكرين والسياسيين.

       سوف يعطي المعلق نبذة لمحاولات بعض المفكرين الغربيين لحل مشكلة الحكم في مجتمع متعدد الثقافات. ثم يتناول معالجة دكتور عبدالله للمشكلة قبل انفصال الجنوب. ثم ينتقل لمناقشة مشكلة الحكم في السودان حاليا.

  • الفكر الغربي والتعددية: الديمقراطية و والمواطنة والعلمانية.

        الغرب يعتمد الديمقراطية نظاما للحكم ، باعتبار انها حكم الشعب وباعتبار ان الحكومة تمثل ارادة الشعب . لكن اتضح ان الشعب ليس له ارادة واحدة. فعدل مفهومها الى أنها ارادة الاغلبية، اي ما ترغب فيه الاغلبية ينبغي ان ينفذ. المشكل ان هذه الصيغة للديمقراطية قد تؤدي الى دكتاتورية الاغلبية. فينبغي الاخذ في الاعتبار رغبات الأقليات. لكن كيف نحقق هذا؟ هو الذي ما زالت تدور حوله النقاشات. يرى البعض منهم ان الحل في مفهوم المواطنة، الذي صار من اعمدة النظام الديمقراطي. النظام الديمقراطي يرتكز على حقوق الافراد، وعلى سيادة المواطن. افترضت النظرية السياسية الحديثة أن المواطنة تتخطى الخصوصية مهما كانت الاختلافات، سواء كانت هذه الاختلافات من حيث الثروة أة الانتماء إلى جماعة اثنية او الحيازة على سلطة او مكانة، فالمواطنة تعطي نفس المكانة للفرد في الشان السياسي. لكن اتضح ان فكرة مساواة المواطن لا تحقق العدالة، ولا تحقق رغبات المواطنين ومقاصدهم، وفكرة حياد الدولة حيال المجموعات والاثنيات غير منصفة. واتضح ايضا ان الفرد له أجندة يود ان تتحقق للجماعة التي ينتمي اليها بالاضافة لاجندته الخاصة. واتضح كذلك ان اعطاء الفرص الشكلية قد لا يحقق مقاصد الافراد والجماعات.

ان المكانة التي يكتسبها الفرد في المجتمع الراسمالي الديمقراطي تستاثر بها بعض الجماعات دون جماعات اخرى- تلك الجماعات ذات القوة والنفوذ. ان الالتزام بالمعاملة المتساوية ، قد يؤدي الى ظلم بعض الجماعات وتهميشها، وفقدان حقوقا خاصة بها. ان الادعاء ان النظام العلماني يحقق الحياد بين المجموعات  الاثنية وغيرها من المجموعات غير صحيح . فاقترح المفكر كيمليكا ثلاثة حلول لاعطاء الاثنيات حقوقها وهي:

  • الحكم الذاتي
  • ما اسماه بالحقوق الاثنية المتعددة polyethnic right
  • التمثيل الخاص في الكيانات السياسية.

      ان الجماعة الاثنية عادة ما تطالب بحكم ذاتي في شكل حكم فدرالي ، قد تختلف فيه قسمة السلطات بين المركز والفدرالية من بلد الى بلد. من ناحية اخرى ،فقد تطالب اثنية معينة بالانفصال ، وقد تنال هذا الانفصال. وقد تكون صيغة الحل نظام كونفدرالي – وهو نادرا ما يحدث – فلقد طبق النظام الفدرالي في كندا فمنح سكان كوبك حكما ذاتيا فدراليا يهدف للمحافظة على خصوصية الثقافة الفرنسية. اما في امريكا فقد عملت الحكومة المركزية على ان لا يكون هناك إقليم به اغلبية قومية او اثنية وذلك بغمر الاقاليم التي قد تطالب بحكم ذاتي فدرالي بسكان من غير القومية او الاثنية التي قد تكون فيها الاثنية او القومية اغلبية حتى لا تكون فيها تلك الاغلبية . وقد ظهر ان سياسة الاندماج غير مرضية  لذلك اعطي حل ثاني للمسالة الاثنية وهو اعطاء حقوق اثنية متعددة للقوميات والاثنيات. فالقوميات والاثنيات تطالب بالمحافظة على ثقافتها عن طريق  لغتها وتعليم ابنائها والمحافظة على فنونها وادابها وتراثها وتاريخها واثارها ، واقامة شعائرها التعبدية ، والمحافظة على عقائدها وتقاليدها وعادتها واعرافها وقوانينها.

والحل الثاني الذي اعطاه كيمليكا للمسالة الاثنية : منح الحقوق الاثنية المتعددة . ان اشكالية هذا الحق هو ان المحافظة على الثقافة والتنمية الثقافية المعينة تحتاج الى موارد وان بعض القوميات والاثنيات ، ليس لديها الموارد الكافية ، ولاتستطيع المنافسة في سوق المنافسة الحر لسيطرة جماعات نافذة عليه، بجانب عدم استعداد المواطنين الاخرين بالسماح للدولة ان تدعم تلك الجماعات ، فقد لا ترغب مجموعة من الموطنين في بعض مظاهر الثقافة الاخرى . من ناحية اخرى ، ينبغي على أصحاب الثقافة واجب النظر في احوال ذاتها وقدراتها ، وواجب النظر في علومها وادابها وتطويرها ، كما على الدولة منحها حقها العادل في الدعم.

العلمانية

       نشات العلمانية في دول تدين بالمسيحية ، وبها مواطنون يهود ومسلمين وغيرهم . وتدعي العلمانية انها تجعل الدولة محايدة ، وغير متحيزة لدين – اي الدولة لا دين لها -٠ في راي كثير من المسيحيين ، ان هذا يناسب المسيحية ، فالمسيحية دين يهتم فقط بعلاقة الفرد بربه ، وتترك شان الحكم بيد الحاكم قيصر( ما لله لله وما لقيصر لقيصر ). هذا الراي وهذه القسمة غير مجمع عليها بين المسيحيين . من ناحية اخرى فانها لا تصلح لدول اغلبية المواطنين فيها يدينون بدين الاسلام ، الذي يوجب على اتباعه  اتباع توجيهات واوامر معينة ، في الحياة العامة ، وهم يريدون طاعة اوامره وتوجيهاته . من هذه التوحيهات اوامر مثلا في البيوع والتجارة وفي العقوبات وفي العلاقات الاسرية والحكم والعلاقات الدولية . وهذه التوجيهات كثيرا ما تخالف القوانين الوضعية . فليس من العدل ان يقال لهم لا تطيعوا ما يامركم به دينكم  ،وهم يرغبون في طاعته .

من ناحية اخرى فنظام الحكم فى الغرب يواجه مشكلات وتناقضات داخلية ، ولم تعد اروبا صادقة في تنفيذ النظام العلماني ، فقد صارت تهتم اكثر بالمحافظة على ثقافتها ، فمنعت بعض دولها لبس الحجاب بدعوى انه رمز سياسي ديني. هذا المنع احرج مفكرا علمانيا مشهورا وهو برهان غليون فاقترح ان يلبس المسلمون مصحف صغير في سلسل في رقابهم ، شبيها بما يلبسه المسيحيون ، اذ انهم يلبسون سلسلا به الكتاب القدس في رقابهم . بالرغم من انه قد يشكر برهان غليون على تعاطفه مع المسلمين .لكن الحجاب ليس اختراعا واختيارا كرمز، بل انه لبس يامر الاسلام المسلمين بلبسه ، وكونه صار رمزا ، عند البعض ، فان ذلك حدث بالعرض (contingent) . منع الحجاب في بعض الدول الاروبية ، في الحقيقة دافعه ، المحافظة على مظهر ثقافي . فقد قالت احدى المعلمات الاروبيات عندما سالها مقدم برنامج تلفزيوني: لماذا تمنعون الحجاب ما هي المشكلة في لبس مثل هؤا النوع من البس . قالت المشكلة هي ان البنات غير المسلمات ،  قد يقلدن البنات المسلمات . اذن المنع لانه يخالف  الثقافة والتقاليد الاروبية .

ومن الاسباب التي ذكرها سياسي اروبي لمنع تركيا من الانضمام للكتلة الاروبية هي ان اروبا مسيحية . من ناحية اخرى ، فان اروبا تطبق على المسلمين قوانين لا تناسبهم ولا تناسب القوانين التي فرضهاعليهم دينهم ، وهم معرضون اكثر من غيرهم على للتجسس عليهم. والشركات الخاصة في بعض الدول الاروبية تميز بينهم وبين غيرهم في التوظيف وهلم جرا . ولكن هناك من المنصفين الاروبيين من يدافعون عن حقوق المسلمين بقوة. هناك رئيس دولة اروبية حذر المعارضين للحجاب اذا استمرت هذه المعارضة فقد يضطر  ان يفرض الحجاب على كل نساء بلاده. تجدر الاشارة الى ان هناك صراعا في امريكا بين غير المؤمنين بالعلمانية من المسيحيين والمؤمنيين بالعلمانية.  ومن مظاهر هذا الصراع ، ان بعض المسيحيين في ولاية من الولايات المتحدة طالبوا بتدريس نظرية الخلق( نظرية الانفجار العظيم ) ، بدلا من نظرية التطور . فلجأت الولاية لراي المواطنين ، فاقر المواطنون تدريس النظريتين معا . قال بشوب كانتربري في حديث له في السودان : ان القول بان المسيحية ليس فيها سياسة قول غير!صحيح .

      يحاول المفكرون والفلاسفة ان يجدوا صيغة جديدة غير العلمانية ترضي كل مكونات المجتمع ومن هؤلاء الفلاسفة جون راولز في كتابه الليبرالية السياسية ، لكنه لم ينجح في اقناع الجماعة العلمية.

يمكن مناقشة المفهوم الغربي للديمقراطية بصيغها المختلفة : المشاركة ، النخبة ……الخ ومفهوم المواطنة وحلول كيمليكا للمسالة الاثنية وغيرها عند النظر في مسالة الحكم حاليا في السودان . لكن المعلق سيوجه اهتمامه لما يعتبره المشكلة الكبرى في السودان وهي مشكلة عوائق الديمقراطية عند نقاشه مشكلة الحكم حاليا في السودان .

  • دكتور عبد الله و مشكلة الحكم في مجتمع متعدد الثقافات .

       كتب دكتور عبد الله مقاله هذا قبل انفصال الجنوب ، وحوى مقاله هذا مقولات ايجابية ومتوازنة ، حول مشكلة تعدد الثقافات حيث قال: المطلوب من الجماعة الاسلامية ان يوازنوا بين مهمتهم كرجال دولة  مسؤولين عن جماعات وطنية متباينة التقافات ومهمتهم كدعاة يدعون لدعوة مخصوصة . واورد قولا لجون قرنق قال فيه الاخير : ان العروبة والاسلام هي بعض فعاليات السودان وليست الوحيدة .ما قاله قرنق يعالج مباشرة مشكلة التعدد ولكن قوله لا يكفي دون تفصيل . و يعيب المعلق على مقولته انه وصف الفعالية المسلمة بانها بعض او جزء من فعاليات السودان وهذا يتضمن تقليل من حجمها . وهذا يقودنا عند التفصيل في محاولة الحل لتحديد الفعاليات والجماعات المختلفة وتحديد اوزانها وتحديد الاختلافات الثقافية بينها واوزانها ، خاصة بعد انفصال الجنوب.

من ناحية اخرى فان معالجة دكتور عبد الله جعلت الحل في يد الجماعة العربية الاسلامية وهو في راي المعلق عيبها الاساس بجانب اقحامه مفهوم الدعاة والرعاة الذي  تسبب في غموض معالجته.

يمكن ان تكون المعالجة واضحة لو قلنا:

ان اي صاحب دعوة له قيم يود تحقيقها . وهذه القيم تنقسم الى نوعين :

  • قيم اعتقادية : له دين او عقيدة يعتبرها ذات قيمة عالية
  • قيم سلوكية : يعتبر افعالا ذات طبيعة معينة لها قيمة كبيرة . لا يجوز للحاكم ان يفرض دينا او معتقدا معينا .لكن يجوز  له ان يفرض سلوكا معينا عن طريق تشريع وقانون اذا كان

يمتلك الشرعية ( شرعية برلمانية او شعبية  – في الحالة الاسلامية الامة المسلمة فوضته لذلك – او غيره ).

اذا قبلنا الاطار التفسيري هذا ، فان اي حاكم حسب لغة دكتور عبد الله يمكن ان نعتبره داعية لان حكمه مهما كان ينبغي ان يرتكز على قيم ومن ثم يخضع للمعيارين اعلاه. ولان الشرعية البرلمانية او الشعبية عادة لا تخول الحاكم باجماع تبقى مسالة الاقليات تحتاج لمعالجة اضافية وسنحاول اكمال المعالجة في الاجزاء القادمة ان شاء الله .

  • مشكلة الحكم في السودان : بلد متعدد الثقافات

       دعنا نبدا محاولة الحل بان نفترض ان في السودان  فعاليات واتجاهات ثقافية متعددة .

هذا يقتضي تحديد هذه الفعاليات واوزانها ، والاختلافات الثقافية بينها واوزانها. هذا التحديد مهم لاعتبار مصالح كل الجماعات ، ولتقسيم المنافع والمضار بالعدل بحيث يعطى كل ذو حق حقه حسب القدرة والامكان . وفي ما يلي محاولة من المعلق قابلة للتصحيح والتهذيب والتشذيب ، وذلك بغرض تحديد تلك الفعاليات والثقافات واوزانها وهي: جماعة مسيحية في جبال النوبة ووثنيين ومسيحيين في النيل الازرق منطقة جبال الانقسنا واعلى التقديرات انهم يمثلون%2 من سكان السودان وهناك تقديرات اقل بكثير . وجماعات عرقية: عرب وغير عرب .واختلافات ثقافية بين هذه الجماعات واختلافات في ما بين كل منها وهي : لغوية وفي الاعراف والتقاليد والعادات وفي الفنون والاداب وفي اساليب الحياة عموما من اكل وشرب ولبس وغيرها ، انه في اعتقاد المعلق ليس ثمة اشكال حقيقي حول التوافق بين هذه المجموعات بعد انفصال الجنوب . ولكن الاشكال هو بين المكونات الحديثة : من يساريين وماركسيين وليبراليين وعلمانيين وبعثيي وناصريين واسلاميين.

المسيحيين كاقلية يمكن منحهم حقوقهم بطريقة مرضية .ومثل هذه الاقليات ذات الاعداد القليل تعطى حق الاعتقاد وحق المواطنة وتعطى!الحرية في تنمية ثقافتها. اما الاختلافات العرقية بين العرب وغير العرب لا ينبغي ان تكون سببا لتمييز عرق على عرق ، لذلك يجب ازالة كل اشكال التمييز التي يسببها هذا النوع من الاختلاف .من ناحية اخرى يرى المعلق ان الاختلافات الثقافية بين المسلمين مقدور عليها. فمن المعلوم ان الاسلام يسمح بالتنوع ما لم يعارض حكما في الدين . فلا اشكال في التنوع بين المسلمين في مجال العادات والتقاليد والاعراف والاداب والفنون واساليب الحياة، ما داموا مسلمين ملتزمين بدينهم . ومن المعلوم ان العرف يعتبر مصدرا من مصادر الشريعة ما لم يعارض حكما من احكام الدين . اما مسالة اللغة فان هناك اعتبارات عملية خاصة بها اذا اريد استخدامها كلغة رسمية او لغة تعليم . لكن اللغة العربية لها وضع خاص عند المسلمين لانها لغة القران . والجدير بالذكر ان هناك مسلمين في كثير من بلدان المسلمين حسن اسلامهم لا  يتحدثون العربية .

     المشكل في السودان في راي المعلق كما تقدم ، وجود مكون الجماعات الايدولوجية. وهي اكبر سبب لمشكلة الحكم في السودان .ومن المثير للعجب ان كل الجماعات تنادي بالحل الديمقراطي .بالرغم من ذلك الكل يود ان يقصي الاخر ، او يتحالف معه اذا اقتضت  الضرورة ، فاذا زالت الضرورة مارس الاقصاء .

النظام الديمقراطي عموما نظاما اجرائيا ، يفترض نتائج مرضية ، هي افضل من نتائج اي نظام منافس ، ولكنه لا يضمنها . وكثير من الفاعلين لا تهمهم الديمقراطية نفسها ، بقدر ما يهمهم تحقيق نتائج بعينها . فالنظام الذي لا يحقق تلك النتائج لا قيمة له عندهم . ومعظم الكيانات الفاعلة تقدم المصلحة الخاصة ومصلحة الحزب على المصلحة العامة . وكثير منهم ينادي بالحرية وحكم القانون وتداول السلطة ، وهم في المعارضة ، ولكنهم يتنكرون ويتحايلون على هذه المبادي وهم في السلطة. من ناحية اخرى ليس هناك اتفاق بين الفاعلين ، حول كيفية التنافس ، وليس هناك اتفاق حول ما لا يجوز الخلاف حوله ، ولو وجد اتفاق تعذر الالتزام به. من ناحية اخرى فان افراد المجتمع لا يمارسون الشورى او الديمقراطية في حياتهم ومؤسساتم بما في ؤلك مؤسساتهم السياسية ،  القران يقول “وامرهم شورى بينهم” دلالة على كل شان من شؤون الحياة ينبغي أن يتشاوروا فيه .وهذا يعزز الالتزام بالشورى في السياسة . والانتماء لجماعة او حزب يتسم بالعصبية ، وعدم قبول النقد ، وعدم ممارسة نقد ذاتي حقيقي . وما زالت الجهوية والايدولوجية الضيقة هي سيدة الموقف .

لم تعد هناك مرجعية قادرة تكون بمثابة الحكم الذي تتحاكم  الآراء  اليه ، ولا توجد قيادات فكرية  ورموز علمية وجماعة علمية على مستوى علمي رفيع يمكن ان يرجع اليها ، وان وجد شيئا منها للاسف لا احد يلجا اليها. لايعنى  هذا ان الحجة حكر لكهنة وزمرة من المتنفذين ، ان بابها مفتوح لمن ملك المؤهلات . ويجوز لكل احد ان يتكلم في امر اذا ملك العلم المطلوب فيه ( لا تقف ما ليس لك به علم ).  ومما ساعد على وجود الحالة المضطربة ، ان الماركسية حدثت فيها اختلافات وتعديلات جذرية ، والمرجعية الاسلامية كثرت فيها التأويلات ، والليبرالية اصابها التشتت . والجدير بالذكر ، وللاسف الشديد ان الشهادات والدرجات العلمية الجامعية وما فوق الجامعية صارت لا تؤهل صاحبها التاهيل المطلوب .وهذا من اسباب التشظي بين الجماعات والاحزاب الذي اشرنا اليه ، بجانب افة المصالح الضيقة .وصار عامة الناس والشباب للاسف يساقون بالشعارات (العدالة والحرية ) التي تحتاج الى تكثيف معناها الرقيق حتى لايتلاعب بها المتلاعبون .

ومن عوائق الإصلاح، ان الذين يتسمون بالنزاهة والمعرفة والحكمة والكفاءة ، صاروا لا يرغبون في ولوج مستنقع السياسة لو سمح لي بهذا بالتعبير و لو رغبوا في ولوجه فانهم غير مرحب بهم فيه . فقد صار اغلب السياسيون لا يتورعون عن الكذب والغش وتلفيق الاكاذيب حول المعارضين الشرفاء، واشانة سمعتهم وحاربتهم ومحابة اسرهم. ان الذي يود حماية نفسه  بان لا يتعرض لهذا الاذى يبتعد من هذه الساحة التي صار البعض يصفها بالقذرة ويصف اهلها بالاوغاد (الا من رحم ربي من السياسيين الذين قرروا ان يتحملوا الابتلاء في بعض العظيم) .

ومن عوائق الصلاح والعمل السياسي ، ان نجاح العمل السياسي يعتمد على المال ، وتحكم اهله فيها. بجانب ظاهرة آفة التضليل الإعلامي . وينبغي الاشارة الى ظاهرة تدخل المؤسسة العسكرية في السياسة واستيلائها على السلطة. وللاسف فان الحالة السياسية المتردية تعطي مبررا لتدخلها وقد تجد تأييدا شعبيا . فمثلا عندما قامت ثورة اكتوبر وازاحت حكم عبود العسكري ، يقال ذهب عبود للسوق لشراء بعض الحاجات ، فرحب به البائعون ولم ياخذوا منه اثمان السلع التي اشتراها . وقيل ان البعض هتف : ضيعناك يا عبود ورحنا معاك. وأيد انقلاب نميري السيدين ولهما اكبر عدد من الاتباع في ذلك الوقت في السودان .

يرى البعض انه مهما ساءت  الاحوال في الحكم الديمقراطي ، هذا لا يكون مبررا للمؤسسة العسكرية للاستيلاء على السلطة لانه مهما كان الوضع في الحكم الديمقراطي فانه لا يعطي مبررا للمؤسسة العسكرية ان تستولى على الحكم  لان النظام الديمقراطي يصحح نفسه ، فلا ينبغي ان تتدخل تحت اي ظرف من الظروف. قد تكون هناك حالة استثنائية وهى خطر وصول البلد لحرب اهلية وفوضى مع عدم قدرة السياسيين  على احتواء الموقف . من ناحية اخري التجربة تحدثنا ان عامة الشعب يهتم بنتائج الحكم ولا يهتم كثيرا بالمشاركة السياسية . لذا اذا ساء ت ممارسة الحكم الديمقراطي فالاحتمال كبير ان يحدث انقلاب ويجد سندا شعبيا. منع حدوث هذا يكون باتخاذ المصلحين الحل بعيد المدى بتثقيف المواطن لكي يكون دائما سندا للحكم الرشيد.

اذا صح وصف الحالة السودانية بهذه الطريقة. هل من مخرج وحل وامكانية اصلاح؟ الحل في اعتقاد المعلق صعب ، لانه يعتمد على استجابة المستهدفين. ولقد سبق ذكر موانع كثيرة ، تجعل الاستجابة صعبة . ولكن مهما كانت الصعوبة ، فواجبنا الاجتهاد والتفكير والسعي في ان نجد حلا . في ما يلي محاولة لوضع مخطط للحل  قابل للتعدل :

  • تحديد اسباب المشكلة ، وقد سبق الحديث فيها.
  • تحديد مهمة الاصلاح .
  • من يقوم بالمهمة .
  • تقديم موجهات قد تساعد في الحل.

اسباب المشكلة كما سبق باختصار : اخلاقية سلوكية وفكرية علمية. تتمثل في اتصاف معظم الفاعلين بكونهم يهتمون فقط بمصالحهم الضيقة ولا يهتمون بمصالح الاخرين . والفكرية تتمثل في عدم اعمال الفكر والعلم في مواجهة قضايا ومشكلات الحياة والتمسك والتعصب بافكار خاطئة واعتبارها الصحيحة ولا صحيح غيرها. ومهمة الاصلاح اصلاح هذين الجانبين .

هذه المهمة تقوم بها فئة مؤمنة بالاصلاح ذات كفاءة علمية واخلاقية ، مخلصة ونزيهة وصابرة. تتشاور في ما بينها في كيف يمكن تحقيق الإصلاح. ومن الموجهات التي قد تفيدها : تقسيم العمل الى نوعين : عمل ترجى نتائجه في المدى البعيد ، وعمل ترجى نتائجه في المدى القريب. العمل في المدى البعيد يتمثل في اصلاح فكري تثقيفي واصلاح تربوي ، اي اصلاح الفكر والنفس. بان يتحلى المواطن بالامانة والنزاهة والعفة والشجاعة والعدالة والانصاف ، والوفاء بالعهد ، والاخاء والمحبة ، والتعاون والتسامح ، وان يهتم بالشان العام ، ويشارك في بناء وطن قوي عسكريا واقتصاديا واعلاميا واجتماعيا وعلميا . وخلق مؤسسات ونظم فاعلة تحقق هذه المقاصد . مواطن يشعر بالعزة لانتمائه لوطنه . وان الوطن له وهو للوطن . مواطن منفتح على الاخرين ، يصبو ان تكون علاقات وطنه بالدول الاخرى علاقات احترام وتبادل للمنافع ، خالية من التبعية والارتزاق . ويختار ويراقب قادة صالحين . وطن مكونه مواطن صالح وحاكم صالح ومؤسسات صالحة.

 اذا لم تكن الجماعة المنوط بها مهمة الاصلاح ذات كفاءة للقيام به ، حسب سنن الكون الربانية سيستبدلهم الله وياتي بقوم اخرين لا يكونوا مثلهم ويجعل الإصلاح على ايديهم .

قد تكون هناك جماعة تمتثل لاوامر الدين في مجتمع بعيد عن الامتثال بها ،  وهؤلاء قد يكونوا الذين أشار اليهم حديث الغرباء وقد يكونوا الذين اشار اليهم حديث الاخوان. قال صلى الله عليه وسلم “ودِدْتُ أَنَّا قَدْ رأَيْنَا إِخْوانَنَا  قَالُوا: أَولَسْنَا إِخْوانَكَ يَا رسُول اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْتُمْ أَصْحَابي، وَإخْوَانُنَا الّذينَ لَم يَأْتُوا بعد”. وقد تكون هذه الجماعة شبيهة باصحاب الاخدود . على اية حال فواجب هذه الجماعة الاجتهاد في الاصلاح . لكن ليس هناك ضمان ان يؤثر شخص في سلوك شخص آخر سلبا او ايجابا ، بالرغم من امكانية ذلك . فليس هناك حجة مهما بلغت قوة اقناعها وليس هناك عقابا مهما بلغت شدته ، وليس هناك وعظا مهما بلغت قوة تاثيره ، يضمن التاثير على سلوك الاخر. فما على الداعية إلا ان يجتهد ويتحلى بالحكمة ويكون قدوة صالحة . فليس هناك ما هو اكثر فعالية لاستجابة الاخرين للدعوة افضل من القدوة الصالحة ، الفاعلة للخير .

لقد سبق ان ذكر المعلق ، ان الحل نوعان : حل في المدى البعيد ، وحل في المدى القريب .

الحل في المدى البعيد هو تثقيف المواطن وتربيته ، تربية تجعله يساهم بطريقة ايجابية لتحقيق مجتمع فاضلا رشيدا. ونقترح ان يكون الحل في المدى القريب اقناع لفاعلين بالمشاركة في بناء نظام ديمقراطي ، قد يحوي سلبيات ثم العمل لكي يكون اكثر كمالا . اخترنا ان تكون البداية بإقناع الفعاليات بالقبول الفعلي لبناء نظام ديمقراطي لان كل الفعاليات تصرح بانها تقبل بنظام ديمقراطي ، فيكون هدف الاقناع الاقرار والالتزام الفعلي بالديمقراطية .

نحاول ان نقنع صنفين من الفاعلين : 

الصنف الاول يسعى للوصول للسلطة من غير الطريق الديمقراطي ، الذي يكون الوصول للسلطة فيه عبر الانتخابات. وصنف اخر امتلك السلطة ولا يود ان يسمح للاخرين بامتلاكها. سنستخدم طريقة عقلانية شبيهة بالطريقة التي استخدمها هوبز للانتقال من الحالة الطبيعية للمجتمع الى حالة يسودها القانون . الحالة

الطبيعية حسب وصف هوبز لها : تكون قصيرة وحشية كريهة ….الخ لا يأمن الانسان فيها على حياته في أي لحظة ، ففي كل لحظة يمكن ان يعتدى على حياته . عقلاء الناس يفضلون ان يعيشوا حياة  يأمنون فيها على حياتهم وممتلكاتهم . طريقة الاقناع تكون عن طريق مصلحة الفاعلين .وان العقل يقتضى المحافظة عليها. هذه الطريقة تختلف عن طريقة المشاعر الاخلاقية والدينية وتختلف عن طريقة القانون والجزاء العقابي لانه لا يوجد في المجتمع قانون. وهي حالة الهدف ان تتحول الى حالة يسودها القانون.

الفئة الاولى تقول ان رؤيتها وبرنامجها افضل من اي رؤية اخرى منافسة ،وان برنامجها يحقق تقدم ومصلحة البلاد ، ولكنها لن تصل للسلطة لتحقيقها ، عبر الانتخابات ، لان الناخبين لن يصوتوا لها ، وينتخبوها ، لعدم وعيهم بمصالحهم ، ولتضليل المنافسين لها لهم ، او لولاءتهم القبلية والطائفية والعرقية او المذهبية والايدولوجية الضيقة . فلا فرصة لهم للوصول الى السلطة ، عن طريق الانتخابات الديمقراطية .

نقول لهم حاولوا تثقيف المواطنين وتوعيتهم ، فاذا لم تكسبوا تأييدهم اليوم، قد تكسبوا تأييدهم غدا  ، ونقول لهم التعليم باستمرار يقلل من قبضة الولاءات التقليدية.  فاذا لم يقتنعوا نقول لهم ان الناخبين كبار وراشدين دعوهم يتحملوا مسؤولية خياراتهم ، ولا ينبغي ان تكونوا اوصياء عليهم. ونقول لهم ماذا لو اطراف لها رؤية مختلفة ، اتخذوا نفس الطريقة والاسلوب .

الفئة الثانية هي التي ملكت القوة والسلطة ، ولا تريد تعطي المعارضين فرصة عبر الانتخابات ،قد يكون السبب في ذلك انها تريد الاحتفاظ بالسلطة لمصالحها الشخصية ، وقد يكون السبب انها ترى نفسها افضل من يحكم البلاد .نقول لها قد تكون لديك اليوم قوة لا تنافسها قوة ، لكن ليس هناك ضمان ان يستمر هذا الحال في المستقبل ، فقد تتغير الموازين وتصير القوة بيد غيرك ، فيعاملك بنفس الطريقة التي عاملتيه بها.

فقد يقولون نحن سنمنع اي منافس من ان يمتلك القوة . فنقول لهم ليس بالضرورة لن تنجحوا والتاريخ يعلمنا ان الايام دول . اما اذا كان سبب احتفاظهم بالسلطة ومنع الاخرين للوصول اليها ، هو اعتقادهم انهم افضل المنافسين وانهم افضل من يحققون مصحلة البلاد ، نقول لهم ما قلناه للفئة الاولى . اذا لم تنجح الطريقة العقلانية يمكن اللجوء الى الطريقة في المدى البعيد -طريقة التربية والتثقيف -، اذا لم تنجح الطريقتان لم يبقى الا التفاوض ، والتفاوض لا يحدث عادة إلا إذا تكافأت القوى ، حيث لا يستطيع طرف تحقيق رغباته عن طريق القوة .اذا حدث تفاوض ولم تكن قوة المتفاوضين متكافاة ، فان ذلك قد يخل بنتائج التفاوض . على الطرف القوي ان يدرك انه اذا تم اتفاق غير متوازن وغير عادل ، فانه معرض للنقد في المستقبل ، اذا تمكن الطرف الضعيف من امتلاك القوة.ومما يخل بتوازن القوى التدخلات الخارجية. وسبب التدخلات الخارجية ظلم الاغلبية للاقلية فتحدث في نفسها غبنا ومرارة تجعلها تتعاون مع جهات خارجية ، او قد يكون السبب طمع الاقلية ، ورغبتها في الهيمنة واخذ اكثر من حقها.تجدر الاشار الى ان من بين المتنافسين من قد يقول : ان الشعب السوداني شعب مسلم ، بنبغي ان يكون الحكم معبرا عن هويته . هذا كلام في جملته صحيح . لكن هناك مشكلات تتصل بهذا القول ، وهي ان هذا الشعب حدثت فيه اختراقات جعلته في وعي كاذب ، او ليس في الوعي المطلوب منها : الاستعمار الذي أحدث أثرا سلبيا في احواله ، فصارت القوانين

التي تحكم حياته العامة قوانين وضعية وصار اسلوب حياته متأثرا باسلوب الحياة الغربية . الامر الثاني فقد وفدت اليه فلسفات وآيدولوحيات ونظم حياة مخالفة للاسلام كالماركسية والليبرالية والقومية والعلمانية .الامر الثالث فقد بعدت الشقة في المجتمع بين الفكر الاسلامي والفقه الاسلامي والحياة العامة فأحدث ذلك فجوة علمية تحتاج الى اجتهاد لسدها .والامر الرابع ان حكم الانقاذ كان له اثر سلبي على صلاحية تطبيق الاسلام في الشان العام ومما فاقم هذا الاثر استغلال الجهات المعادية لفشل نظام  البشير لاقصاء الاسلام ان يحكم الشان العام. بالاضافة الى ذلك فان قادة الاتجاه الاسلامي لم ينجحوا في توحيد المسلمين ، هذا جعل من الصعوبة الحكم من يمثل المسلمين ، مما  اضعف قوة الكيان العام للمسلمين وشاعت شعارات مضللة ومغلوطة مثل:  افضل لي ان يحكمني   ملحد يوفر لي ولاولادي عمل وعيش كريم من ان يحكمني مسلم لا يوفر لي ذلك . فكان قدر المسلمين الذي لا فكاك منه بين هذين الخيارين ، لماذ لا يكون الخيار بين ملحد يوفر لي ولاولادي عمل وعيش كريم وبين حاكم مسلم يوفر لي هذه التي يوفرها الملحد ويوفر لي اشياء لا يوفرها لي الملحد في حياتي الدينية والتي لها اهمية كبيرة عندي.

من ناحية اخرى هناك من يشير الى احتمال ان تكون هناك اغلبية  تتفق على نظام سياسي ديمقراطي واقلية تخالف هذه الاغلبية وتتمرد على النظام . في هذه الحالة من الافضل تلمس مطالبها ، وما هو ممكن تلبيته فانه ليس من المصلحة ان تقوم باعمال تضر بالاستقرار ومصلحة البلاد خاصة وقد تلجأ الى قوة خارجية ، تجد منها سندا يمدها بقوة لم تكن تمتلكها . فان أبت وتعنتت فيجب قسرها.

  • مشكلة الحكم حاليا في السودان

يود أن يختم المعلق الحديث عن مشكلة الحكم حاليا في السودان باقتراح ، يقدمه كحل للتوافق بين المكونات الفاعلة في السودان ، وقد يستغىب الكثيرون من هذا الاقتراح، ولا غرابة فيه . اقترح ان تكون مرجعية الفاعلين هي مبادىء الاسلام. لماذ يعتبر والماركسيون والليبراليون الماركسية والليبرالية مرجعية لكل القضايا البشرية ، ولا يعتبر الاسلام الذي من العليم الخبير مرجعية لها . البعض عندما  يذكر الاسلام كحل ،يقول تودون إعادة حكم البشير الفاسد والاستبدادي وهؤلاء انفسهم يقولون ان البشير واتباعه شوهوا الاسلام  ،وأن الاسلام دين العدالة ودين الكرامة والحرية . نقول لهم الماذا لا تحققوا الاسلام انتم . الستم مسلمين الم يامر الله المسلمين بتنفيذ احكاما معينة في شان حياتهم العامة :في مجال التجارة والبيوع وفي العلاقات الاسرية وفي العقوبات في علاقة مجتمع المسلمين بغيره من المجتمعات ، احكاما واضحة جلية . لماذا لا تقوموا انتم بتنفيذها على  الوجه الصحيح السليم . الاسلام لم ينزل في عهد الانقاذ ولم يكن اول تطبيق له في عهد البشير . تنفيذ اوامر الله واجبة على كل مسلم يسال عنها يوم القيامة كل مسلم فردا. ونقول للماركسيين والليبراليين انتم تبحثون عن مباديء الحق والخير والاسلام سبق كل الفلسفات والنظم بها . فلماذا لا تاخذوها منه؟

  • نشاة دولة الانقاذ بغرض الجهاد والتبشير

       قال دكتور عبد الله : لا ينبثق المطلب لارساء الدولة المسلمة في السودان في حاجة باطنية للمسلمين تجسد اشواقهم للتقوى والعدل الاجتماعي ، فقد كان دائما لحاجات الجهاد والتبشير الخارجية اعتبار كبير في هذا المطلب . ان الحديث عن النيات والدوافع جائز  ، ولكن ينبغي عند الحديث  عنها توخي الحذر ، لانها ليست من الامور المشاهدة ، فهي عادة تعرف باعتراف صاحبها ، وقد لا يكون صادقا ، وقد يكون مضللا ، او تستنبط من سلوكه وهذه قد يحدث فيها خطأ . القول بان الانقاذ اقامت دولتها من اجل الجهاد والتبشير ، ممكن منطقيا ، لكن لا يكفي ان تطلق مقولة ، لمجرد انها ممكنة منطقيا ، ينبغي ان يدلل صاحبها انها محتملة احتمالا يسمح بالاعتقاد في صحتها ، خاصة وان هناك احتمالات أخرى تنافس المقولة. ودكتور عبد الله لم يعط دليلا على مقولته واطلقها اطلاقا.

قال دكتور عبد الله : ان الدافع الكبير لاقامة دولة الانقاذ هو الجهاد والتبشير الخارجي . يلزم من قوله هذا ، ان هناك دوافع اخرى ، غير الجهاد والتبشير  ولكنه لم يشر اليها ، بل نفى ما قد يتبادر الى الذهن انه دافع لقيامها .فنفى ان يكون القصد من اقامتها ، ارساء قواعد العدالة ونفى ان يكون القصد أشواق التقوى . قد يقصد باشواق التقوى محبة طاعة الله وخشيته . لكن الجهاد  والاستشهاد قد يكون بدافع طاعة الله ، والتبشير اي الدعوة تكون لأجل نيل رضى الله ونيل ثوابه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من أن يكون لك حمر النعم). وقد يكون الجهاد لنيل حظ من حظوظ الدنيا .ان هاجس الدعوة كان حضوره في ذهن الدكتور كبيرا بقوله إن كادر منظمة الدعوة هو الذي حكم النقاذ ، وقيام دولة النقاذ كان بغرض التبشير أي الدعوة . ويكاد تكون ممارسة الدعوة هي التي خلقت مشكلة الجنوب ، بالرغم ان المشكة جذورها بعيدة من زمن الاستعمار ، ومحاولته فصل الجنوب عن الشمال ،وفعل المبشرين وبعض التجار والنخب ذات الايدولوجات والانقاذ والسيسات غير الرشيدة للحكومات المتعاقبة  التي حكمت السودان .

والجدير بالذكر ان قادة الانقاذ لم ينشغلوا كثيرا بالدعوة وأوكلوا أمرها لكيانات أخرى كعلماء السودان وأمانة الفكر والدعوة ومنظمة الدعوة الاسلامية . وكانو منشغلين بتثبيت الحكم. على اية حال نحن غير ملزمين بايراد ادلة تدحض مقولة دكتور عبد الله  فعبء الاثبات يقع على عاتقه.

ان قيام دولة الإنقاذ كان بعد انقلاب 1989 . قد يكون من المفيد ان نسال لماذا قامت الحركة الاسلامية او قادتها بهذا الانقلاب . هناك تفسيرات مختلفة نذكر بعضها : هناك من يقول ان الجيش السوداني قبل الانقلاب كان في حالة ضعف شديد قد يؤدي الى انتصار جيش الحركة الشعبية ولو تم ذلك لادى ذلك لتغيير كبير في السودان قد يصل الى تغيير الهوية السودانية ،  ويتم القضاء على المسلمين والعرب . ومن يقول هذا القول المراد منه تبرير الانقلاب وفي الحقيقة الانقلابيون يودون تنفيذ برنامجهم الاسلامي . ومن يقول ان الانقابيين يرغبون في السلطة من اجل السلطة وما تحققه لهم من مصالح .فلمذا اختار دكتور عبد الله الجهاد والدعوة . من الطبيعي ان تقوم الدولة اولا بمهام كثيرة ذكرها علماء المسلمين منها وظيفة مهمة وهي الدعوة . ومشروعية القتال في الاسلام تكون اما للدفاع عن النفس ورد عدوان  او لنصرة مظلوم او لازالة عائق يمنع حرية الدعوة. البلاد التي تشن حربا  ضد بلد اخر يكون عادة دافعها الحصول على ثروات تلك البلد ، اولصرف الانظار عن مشكلات داخلية وقد يكون لنشر عقيدة معينة. اذا كان غرض الانقاذ الاساس والغرض الوحيد من قيامها ان تفرض الاسلام على الجنوب ، لمذا تتخلى عن سبب قيامها وتوافق ان يحكم الجنوب بغير الشريعة ولماذ قبلت بانفصاله. فعلت ذلك لان لدولتها مقاصد اخرى .

  • تعمل منظمة الدعوة الاسلامية بالوكالة 

        قال دكتور عبد الله : ان منظمة الدعوة الاسلامية في السودان كانت تعمل بالوكالة . ووصف عملها بالوكالة بلغة قوية ، فقال : (كانت بعثة تبشيرية من الخارج ) . ووصفها بانها كانت تعمل لما هو مرسوم لها ،وان هناك مهمة موكلة لها لتنفيذها . وساوى في الوصف بين منظمة الدعوة الاسلامية والمعهد الدولي للغة العربية ، ولم يميز بينهما . ولم يعط دكتورعبد الله ادلة واضحة وحاسمة لهذه المقولة الصارمة. ولكن القارئ لمقالته يجد في ثناياها مبررات لهذه المقولة ، تخص منظمة الدعوة الاسلامية واخرى تخص المعهد الدولي للغة العربية . فقد قال عن العاملين في منظمة الدعوة الاسلامية ، ان دافع عملهم في المنظمة المنفعة المادية ، فقال  : ( بشروط خدمتها الميسرة واجرها بالدولار ) . يعني العاملين فيها اذا استخدمنا لغة قوية كالتي يستخدمها دكتور عبد الله ان العاملين فيها مترزقة . ارتزاق العاملين في المنظمات الدولية ، قد يعتبر ظاهرة تحدث بالفعل فقد قال لي حد العاملين فيها ، بصراحة انه يعمل في احداها للعائد المادي المجزي فيها .ولكن لا يصح تعميم ذلك على كل العاملين في المنظمات الدولية ، وخاصة منظمة الدعوة الاسلامية بالسودان .

في ما يلي بعض الحقائق التي تدحض او تشكك في ما قاله دكتور عبد الله . ان اول مدير لمنظمة الدعوة الاسلامية في السودان كان مبارك قسم الله ، والذي اسس العمل فيها . لقد كان من الذين يشهد له الكل بالزهد والنزاهة ( والاخلاص) . ولانه كان بهذه الصفة كان يعتبر العمل في المنظمة لا ينبغي ان يكون لعائد مادي لذلك خصص اجورا قليلة للعاملين فيها ،حتى اشتكوا من ذلك للأمين العام فقال الامين العام لمبارك ان العاملين لهم حاجات معيشية ينبغي أن تلبى . وفي نهاية الامر تم تعين مدير اخر للمنظمة ولكن الاجور لم تتغير كثيرا. ومن الطريف انه يحكى انه وصل للممولين للمنظمة في الخارج ، ان مبارك قسم الله يصرف في المنظمة ببزخ وعلى نفسه .فجاء وفد منهم الى السودان ، دون سابق انذار في زيارة تفقدية لكي يروا الحقائق في الواقع ووصف لهم منزل مبارك الذي كان بالثورة ، وعندما وصلوا حسب الوصف وجدوا ان مظهر المنزل متواضع  ، فظنوا ان الوصف كان خطا . ولما تأكدوا وفتح لهم احدهم المنزل وجدوا ولدهشتهم الشديدة ان مبارك كان جالسا يغسل في ملابسه بنفسه . ومن يومها قرروا ان يدفعوا اي مبلغ يطلبه مبارك قسم الله دون تردد .

ان فكرة قيام منظمة الدعوة الاسلامية جاءت من السودان فكيف يفسر عملها أنه كان بالوكالة . يرى المعلق انه من الانسب ان يفسر عمل المنظمة انه كان بالشراكة، والشراكة لا تعارض الاصالة لانها باختيار. خاصة وان دكتور عبد الله قال في موضع من مقاله قال : وهذه طريق الدعاة الذين فتحوا السودان لموسسات الدعوة العربية الاسلامية لتعينهم ويعينوها. لتعينهم ولعينوها هذا يعني شراكة . ان العمل يكون اكثر اثرا وفاعلية ، اذا تعاون على فعله جمع من الناس ،  خاصة اذا كانت طبيعة العمل المراد فعله يقتضي التعاون، ولا تكفي لانجازه فئة محدودة . فمثلا في مسالة الدعوة التي نحن بصددها قد تحتاج الى : تمويل،                ودولة مقر،والى تخطيط، وإلى ادارة وعاملين.  وما دام العمل الخيري جائز بل مستحب وانه برضى المستهدفين، فانه من المناسب ان تختار لكل وظيفة ، ما  يناسب من يقوم بها. من ناحية اخرى ، فان المعهد الدولي للغة العربية ، هو معهد فني مختص في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها ، لاجل ذلك فان الجامعة الاسلامية العالمية بماليزيا – وفيها اللغة العربية ضمن لغات التدريس فيها -، استعانت في تدريس اللغة العربية للملاويين ولغير الناطقين بها من طلابها باساتذة من السودان . ان المعهد الدولي للغة العربية ، فرع من فروع وذراع من اذرع منظمة التربية والثقافة والعلوم العربية ، بتونس وتتبع لجامعة الدول العربية . والتي كانت برئاسة -في ذلك الوقت محي الدين صابر- ، فاختير السودان ليكون مقرا للمعهد الدولي للغة العربية .وللمنظمة خمسة اذرع وفروع ، اختيرت دول اخرى اعتبرت مناسبة لتكون مقرها ولوظائف اخرى ، منها مركز البحوث والترجمة  في دمشق ، ومعهد المخطوطات العربية بالقاهرة .

السؤال : هل منظمة الدعوة الاسلامية فرضت شيئا بالقانون في انشتطها التي تقوم بها بطريقة غير شرعية!

منظمة الدعوة تدعو الافارقة والجنوبيين للاسلام ولها مدارس خاصة وتقوم بمساعدات خيرية. وانها لا تقسر احدا عندما تدعوه للاسلام . القسر في مسالة الايمان لا جدوى له لانه لا يحدث ايمانا لان الايمان مسالة قلبية. اما مدارسها فمدارس خاصة ، مثلها مثل المدارس الخاصة المسيحية؟

حيث يختار الاباء لابنائهم المدرسة التي يريدون . وتجدر الإشارة ان قسيسا اختار لبناته مدارس منظمة الدعوة الاسلامية ، والسبب في ذلك كما قال انها مدارس منضبطة خاصة في اللبس. وكثير من الإباء في الشمال يختارون لابنائهم مدارس منظمة الدعوة الخاصة لكفاءتها ونظامها ومناهجها . اما كونها تدرس باللغة العربية ، فان كثير من المدارس المسيحية تدرس باللغة العربية  لان اللغة العربية  (عربي جوبا) هي اللغة المشتركة لكثير من الجنوبيين في جنوب السودان .

بقي قول لا أرغب في الخوض فيه وهو ان الرجل العادي ليست لديه مشكلة حقيقية مع الاسلام . المشكلة مع الايدلوجيين الماركسيين والعلمانيين .

  • الدعوة من منظور إسلامي
  •  
  • فضلها .
  • وجوبها الديني والأخلاقي.
  • شروط ممارستها واسلوبها وادابها
  • تقليد الدعاة المبشرين المسيحيين .
  • اشتغال الحاكم بالدعوة ، وانعكاسات ذلك على مقولات دكتورعبد الله عن الدعاة والرعاة .
  • فضل الدعوة:

     لما كان مفهوم الدعوة مفهوما اساسيا في مقال دكتور عبد الله وما للمفهوم من اهمية في الاسلام ، احببت ان افرد له جزء من هذا التعليق  ، فيه اتناول المفهوم دون ملابسته بممارسات منظمة الدعوة الاسلامية . وابدا الحديث بفضلها .ان الدعوة للاسلام من افضل الاعمال وأحسنها. يقول تعالى :” وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ”. وفي مشروعيتها ووجوبها يقول تعالى ” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا”. ويقول تعالى : ” وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”.

ان الدعوة في الاسلام قد تستهدف المسلمين الذين يؤمنون بالاسلام وقد تستهد الذين لا يؤمنون بالاسلام ( انظر ما سبق من حديث عن الستهدفين من الافارقة ) .

الداعية قد يذكر المسلم باحكام دينه ، او يعلمه حكما لا يعرفه ، او يجيب عن مسالة يريد السايل معرفة حكم الدين فيها ، وقد يوضح

له حكم الدين في امر من الامور المستجدة ، او يدحض شبهة من الشبهات التي تثار حول احكام الدين ، وقد يعظه ويذكره بوحوب العمل بما امر الله به او ترك ما نهى الله عنه ، خاصة في الامور التى اهمل الناس العمل بها  ، والامور التي نهى الله عنها وصار الناس يرتكبونها .ليس من شان الداعية تنفيذ احكام الدين . ان المسؤول عن تنفيذها هو الحاكم بما خوله المسلمين من سلطة. وهو الذي يحسم الخيارات التشريعية الاجتهادية. اما مسالة جواز اشتغال الحاكم بالدعوة سيتناوله المعلق لاحقا.

  • وجوب الدعوة اخلاقيا 

       انه من واجب الفرد اذا اعتقد ان معتقدا معينا او نظام حياة، حق وحسن وجميل ، ان يسعى ليشاركه هذا الخير وينتفع به اخرون . ان صاحب الفطرة السليمة يحب ان يعم الخير الجميع ، والا اصبح انانيا. تجدر الاشارة ان دعوة الاخرين لا ينبغي ان تتضمن التعدي عليهم ، وان تكون عن طريق وعيهم وعقولهم وارادتهم واختيارهم ، دون قسر او اكراه ، او خداع اوغش او تدليس . وتكون بالحكمة والموعظة والجدال الحسن . وهنا اود ان أؤكد على قيمة، ينبغي ان يلتزم بها المختلفين في عقائدهم ونظم حياتهم ، والذين يسعون لكسب الاخرين وهي :ان يصفوا عقيدتهم وفكرهم ونظام حياتهم بوضوح وصدق ودقة، وان يصفوا عقيدة المنافس ونظام حياته ايضا بوضوح وصدق ودقة ، دون تزييف  او تزوير او تدليس . وفي هذا احترام للمراد كسبه . فينبغي  ان يعرف الحقائق التي على اساسها يتم اختياره . فلا تفرض عليه وصاية ، او يساق كالانعام . ولكن للاسف صار تضليل الاخر ، صنعة يتبارى فيها الصناع. كتب هيربرت شيللر ، في صناعة التضليل كتابه : المتلاعبون بالعقول ، وكتب في ذلك نعوم تشومسكي : السيطرة على الاعلام.وهناك دولة كبيرة انشات كيانا هدفه التضليل ليحقق مصالح لتلك الدولة . وللاسف ظاهرة التضليل لم تقتصر علي الاعلام الرسمي ، فقد اصابت العدوى الاعلام الاجتماعي ، الذي يقدم خدمة كبيرة للتعبير عن الراي الحر. فقد فك احتكار الدولة ، الا ان افرادا وجماعات ، صارت تستخدم هذا الاعلام بطريقة شبيهة باستخدام الدولة له. الحديث عن وجوب الصدق في الحديث غير مقصود به بالطبع دكتور عبد الله.

  •  شروط ممارسة الدعوة الاسلامية .

من شروط ممارسة الدعوة الاسلامية ان تكون دون اكراه او قسر (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ )  (أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)  (فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)

وفي حقيقة الامر فان الانسان لا يمكن ان يجبر على الايمان ، لان الايمان حالة قلبية . ومن قال انه مؤمن قد يكون منافقا ، فلا جدوى من اكراه الناس حتى يقولوا انهم مؤمنيين . والمؤمن قد ينطق تحت اكراه بكلمة الكفر وقلبه مطمئن بالايمان . المسلم يدعو غير المسلم من خلال وعيه وعقله وارادته . والقران الكريم يعطي الحجج المختلفة ، للايمان بالله وبرسالة محمد صلى الله عليه وسلم منها : قوله تعالى (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ)

وقوله تعالى : (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) . لكن الانسان قد يكفر بسبب الكبرياء والجحود والعناد (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا). ومن الناس من لا يريد ان يؤمن الاخرون ويؤذيه ان يدعو احد الاخرين للايمان. فهو لايطيق  قبول الاخرين للايمان (قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) وأيضا (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) . وهؤلاء يحيلوا بين الناس وحريتهم واختيارهم. يوجه القران الكريم الداعية ، ان تكون دعوته بالحكمة والموعظة الحسنة ، وان يكون جداله بالتي هي احسن ، وبالحجة والدليل والبرهان . وكتب علماء المسلمين بتوسع في آداب الجدل .

  •  اشتغال الحاكم بالدعوة وانعكاسات ذلك على مقولات دكتورعبد الله عن الدعاة والرعاة 

       هل يحق للحاكم ان يشتغل بالدعوة ، وان يكون داعية لقيم معينة، وفرضها بالقانون. الحاكم في راي دكتور عبد الله ينبغي ان يكون راعيا وليس داعية .نقول الحاكم له الحق في استخدام القانون والجزاء والعقاب ضد المواطن . وهو مخول لاستخدام القانون إذا منح من شرعية لاستخدامه عن طريق برلمان او  عن طريق الشعب او غيرها من الطرق الشرعية. فالداعية لا يأمر ، وليس مخولا أن يستخدم الجزاء أو العقاب .

 والمخاطب له الحرية ان يستجيب او لا يستجيب. قد يحدث في الواقع ان يتجاوز الحاكم ما هو مخول لفعله.

وهناك اتفاق ان لا يستخدم الحاكم القسر مع شخص لقبول عقيدة معينة .اما التشريع فالحاكم مخول لاستخدام القانون الا في حالات معينة هناك اختلاف في تحديدها. عادة الدستور هو الذي يحدد هذه الحقوق . والدستور يجاز بأغلبية المواطنين ولكنها أكبر من تلك التي تجاز بها القوانين العادية .وبهذا لاتزال هناك مشكلة.

هناك تقليد في الغرب يميز بين السلوك الذي يعتبر في المجال الشخصي، والسلوك الذي يعتبر في المجال العام . يعتبر ان القانون لا ينبغي ان يتدخل في مجال السلوك الشخصي ، لان  التدخل فيه يعتبره اصحاب هذا الراي تعدي على الحرية الشخصية . اذا اعتبر السلوك  في هذا المجال ضارا  يمكن ان  يتدخل رجال الدين والمصلحين والدعاة وينصحوا الناس فيه. هناك اختلاف بين المفكرين الغربيين حول ما ينبغي ان يفرض بالقانون وما لا ينبغي ان يفرض بالقانون ، واختلاف حول وظيفة الدولة ووظيفة الحاكم . قد يكون من المفيد في هذا الموضع ان نستعرض راي انتوني كونتن ، الذي اورده المعلق في كتابه ( قضايا في فلسفة وعلم الاخلاق ) لنقاش ابعادا مختلفة من قضية وظيفة الحاكم . يقول انتوني كونتن : لا ينبغي ان يكون هم السياسي فرض الاخلاق ، او الدعوة والتحمس لها . فهذه في اعتقاده ، ليست وظيفته ، انها وظيفة رجل الدين و المربي والمصلح الاجتماعي ، فوظيفته في اغلب الأحيان ادارية. فهو معني بوضع الاجراءات الملائمة ، وحفظ الامن ، وحماية المواطن من ان يلحق به أذى او يتغول على حقوقه الاساسية ، ورفع المعاناة عنه . ومؤهلاته في ذلك الكفاءة والمقدرة على النجاح لاداء ما هو ملائم ، وما يساعد على الازدهار ، والمحافظة على أمن الدولة الخارجي ،وخدمة مصالحها. يبدو ان كونتن يعني بقوله لا ينبغي لرجل الدولة التحمس لفرض الاخلاق الشخصية ، مثالها العلاقات الجنسية لانه جعل من وظائف الحاكم امورا تقف خلفها مباديء اخلاقية ، يختلف الليبراليون حولها ، فهو بجانب حماية المواطن من ان يلحق به ضرر – وهذا الحق يمكن اعتباره حق سلبي – جعل من حقوق المواطن ، رفع المعاناه عنه ومساعدته على الازدهار ،لكنه جعل وظيفة الحاكم ادارية ، ومؤهلاته الكفاءة والقدرة على النجاح .

بالرغم من ان كونتن ذو نظرة ليبرالية  وبالرغم من انه حاول ان يقلص من دور رجل الدولة لكنه جعل له وظائف لا يتفق معه حولها بعض الليبراليين امثال نوزك كرفع المعاناة عن المواطن ومساعدته على الازدهار . فنوزك ينادي بدولة في حدها الأدنى minimum state . فوظيفة الدولة عند نوزك حفظ الامن وحماية المواطن من القتل والسرقة والغش وليس من وظيفتها مساعدته باي حال من الاحوال .وأن الضعفاء يساعدهم الناس بالهبات والصدقات الطوعية .

وقول كونتن ان وظيفة الحاكم ادارية فيها نظر .فالادارة اساسا تنظر في الوسائل وتعتبر ان الغايات محسومة ربما حسمها المجتمع .ولكن قد لا يسلم الآخر بهذه الغايات ، فقد لا يسلم كما تقدم برفع المعاناة عن المواطن اومساعدته على الازدهار .

       من ناحية اخرى، الغايات التي ذكرها كونتن تهتم بغايات مادية وهذه قد لا تكفي لاقامة حياة خيرة بالاضافة الى هذا ، فان محض قدرة رجل الدولة للنجاح – تكنوقراط – قد لا تكفي لانه معرض للفساد، فينبغي ان يتحلى بصفات اخلاقية ، كالعفة والنزاهة  ، اى بجانب القوة ينبغي ان يكون أمينا . وكما قال ابن تيمية ، ان الاختيار لوظيفة يكون حسب متطلب الوظيفة، بمعنى هل تتطلب اكثر قوة او تتطلب اكثر امانة ، وحسب ما يتوفر في المجتمع من اشخاص لهم الصفات المطلوبة.

يقول دكتور عبد الله : ان الحاكم من الجماعة الاسلامية ، ينبغي ان يكون راعيا ، اي يرتب امور الدولة بحيث يزيل الخلافات ببن مكوناتا الثقافية . كيف يتم ذلك وهو مكون من هذه المكونات ، بالرغم من انها

اكبر مكون! وهل سترضى المكونات الأخرى بحكمه!  الواقع اثبت نزاعا بينها وبين مكون منها استمر لسنين . وهل ما عاق انسجام المكونات هو تصرفات المكون ولا دور للمكونات الاخرى في اعاقة الانسجام!

من ناحية اخرى فان المعلق يرى ان مفهوم الراعي و مفهوم الداعية الذي استخدمهما الدكتور ، يشوش على قضية نظام الحكم في مجتمع متعدد الثقافات . من الافضل ان يناقش قضية وظيفة الحاكم وهل الحاكم الاسلامي تجاوز وظيفته . وهل فرض امرا بالقانون لا ينبغي له ان يفرضه كالعقائد  او فرض سلوكا بالقانون ، وهو غير مخول ان يفرضه ولا يتمتع بالشرعية التي تخوله لفرضه ؟

  • الخلاصة 

       لم يكن التعليق قاصرا على القضايا التي اثارها مقال دكتور عبد الله، بالرغم من ما تتمتع به تلك القضايا من مغزى . ولكن وجدها المعلق فرصة لمناقشة قضايا يعتبرها هامة . من هذه القضايا مفهوم الدعوة الاسلامية ، فتناولها دون ملابستها بممارسة منظمة الدعوة الاسلامية . كما ناقش قضية نظام الحكم المناسب لمجتمع متعدد الثقافات ، بالاضافة الى مشكلة الحكم الحالية في السودان .

وفي ما يلي خلاصة لتعليقنا عل مقال دكتور عبد الله : 

      اعتبر دكتور عبد الله اعتبار الدعاة الاسلاميين الافارقة لا ثقافة ولا دين لهم وانهم خلاء من العقيدة اساءة لهم. واعتباره هذا غير دقيق وغير صحيح بل العكس هو الصحيح . كما انه اعتبر ان اعتبار الدعاة ان الافارقة يدينون بالوثنية ايضا اساءة لهم . وقد بين المعلق ان هناك اختلاف بين الدارسين حول طبيعة الاديان الافريقية وان الارجح ان توصف بالوثنية ، وانها ليست توحيدية. ولم يميز دكتور عبد الله بين دعوة الافارقة المسكنيين في السودان والافارقة في الدول الافريقية الأخرى،  ولعل السبب في اعتباره هذا ان اي دعوة للاخر تعدي عليه وغير مقبولة. ولم يكن وصفه صحيحا عندما قال ان دولة الانقاذ يحكمها كادر من منظمة الدعوة الاسلامية . وقوله ان منظمة الدعوة الإسلامية كانت تعمل بالوكالة مبالغ فيه وغير دقيق . وكذلك قوله ان دافع قيام دولة الانقاذ هو الجهاد والتبشير ايضا غير دقيق ومبالغ فيه. كما ناقش المعلق التعددية في الفكر الغربي : مفهوم الديمقراطية ومفهوم المواطنة والعلمانية. الغرض من هذه المناقشة توضيح هذه المفاهيم التي تتبناها اتجاهات سياسية في السودان ، عسى ان تفيد في نقاش مواقفها ، ولكن المعلق ركز في تناوله لمسالة الحكم حاليا في السودان على مسالة عوائق الديمقراطية وإمكانية التغلب عليها، باعتبارها اهم قضية تواجه مشكلة الحكم حاليا في السودان .كما استعرض المعلق التعددية في الفكر الغربي . فناقش مفهوم الديمقراطية ومفهوم المواطنة الذي هو من اعمدة الديمقراطية ومفهوم العلمانية . لقد اعتبر البعض أن مفهوم المواطنة هو الحل الامثل لمسالة الحكم لانه يساوي بين المواطنيين ، لكن اتضح

انه لا يحقق العدالة لهم وا للجماعات التي ينتمون اليها ، واستعرض المعلق الحلول التي اقترحها كيمليكا للمسالة الاثنية . ثم ناقش مفهوم العلمانية في الفكر الغربي ، الذي لا يسمح للدين ان يتدخل في الشان العام – القانون ، الاقتصاد ، واسياسة والتعليم –  وتبين ان اروبا ما عادت تهتم بالعلمانية ، لقد صار اهتمامها المحافظة على ثقافتها ، التي قد تقضي عليها مظاهر حياة المسلمين في اروبا. بالاضافة الى ذلك فقد نشا خلاف في الولايات المتحدة ، بين المسيحين الرافضين لبعض مظاهر العلمانية والعلمانيين ، فقد طالب بعض المسيحيين بتدريس نظرية الخلق ( الانفجار العظيم ) في المؤسسات التعليمية في احدى الولايات وعارض هذا الطلب العلمانيين ، فلجأت الولاية الى راي الموطن الذي قرر ، تدريس نظرية الخلق ونظرية التطور معا. وما يزال بعض المفكرين والفلاسفة يبحثون في ايجاد صيغة للحكم بديلة للصيغة العلمانية .

المقال الأخير

image

تعليق على مقال الدكتور عبد الله علي إبراهيم الذي بعنوان: منظمة الدعوة الاسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم تعليق على مقال الدكتور عبد الله علي ابراهيم، والذي بعنوان: منظمة الدعوة الاسلامية ......ولماذا كنا دولة مقرها اصلا بقلم: عبدالله حسن زروق في ما يلي المحاور…
image

تعليق على موضوع حذف بعض المفردات في منهج التربية الاسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم تعليق على موضوع حذف بعض المفردات في منهج التربية الاسلامية. بقلم د.عبد الله حسن زروق.          جاءتني رسالة في الواتساب حول تعديلات في…
image

تعليق على مقال دكتور عمر القراي: علماء السلطان وثورة الفتاة

د.عبدالله حسن زروق     الحلقة الأولى طلب مني اخ فاضل التعليق على مقال دكتور القراي عن البرنامج الذي بثته قناة المانية بالتعاون مع قناة 24 السودانية تحت عنوان (شباب توك)…