تعليق على موضوع حذف بعض المفردات في منهج التربية الاسلامية


بسم الله الرحمن الرحيم

تعليق على موضوع حذف بعض المفردات في منهج التربية الاسلامية.

بقلم د.عبد الله حسن زروق.

         جاءتني رسالة في الواتساب حول تعديلات في مفردات منهج التربية الاسلامية ، هذه التعديلات شملت في بين ما شملت :

  • حذف مفردة الولاء والبراء،
  • وحذف مفردة الاصل في العلاقة بين المسلم وغير المسلم ،
  • وحذف مفردة الولاء المحرم ،
  • وحذف مفردة الولاء للمؤمنين .

       هذه المفردات المحذوفة ، من صفحة 13 الى صفحة 16 من الكتاب المقرر ، وهي اربع صفحات.

قبل ان ابدي ملاحظاتي عن الحذف وتفاصيل الخوض فيه ، اود ان اشير الى بعض القضايا العامة ، التي تتصل بمناقشة مثل هذا الموضوع :

أولا: انه من تقاليد اختيار المناهج ومفرداتها ، ان يلبي الاختيار ، حاجات ورغبات مجموعات مختلفة ، خاصة في مجتمع حر ، ويمكن الاشارة الى هذه المجموعات بأصحاب المصلحة وهم :

  • الاباء ،
  • الطلاب . هناك فلسفات تركز على رغبات الطالب فقط student centered ، وهناك فلسفات تركز على رغبات الدولة والوطن فقط ،
  • اختصاصيو المادة او العلم ،
  • المعلمون ،
  • المجتمع وما فيه من جماعات مختلفة
  • أن تلبي طبيعة العلم المعين، سواء كان فيزياء أو هندسة أو تاريخ او تربية إسلامية، وبذل الجهد للتوفيق بين هذه المطالب، وإذا تعذر التوفيق في بعض القضايا، يحسم الاختيار من اختارهم الشعب كحكومة شرعية، وتكون قراراتها ملزمة

ثانيا: الجهة التي قامت بالتعديلات ، التي نحن بصدد نقاشها، هي الحكومة الانتقالية والوزارة التابعة لها . ان كثيرا من المؤيدين لهذه الحكومة الانتقالية ، يعتبرون كل المعارضين لتعديل المناهج، من أتباع نظام البشير، ويتجه الدفاع عن المناهج ، الى الطعن في المعارضين وليس في قوة حجاجهم،

وبالطبع ليس كل المعارضين لتعديل المناهج من أنصار البشير . والدليل على ذلك ان القراي نفسه عندما أبدى رأيه في تعديل مناهج القران الكريم قال : اتصل به بعض المواطنيين ، الذين ليست لهم انتماءات حزبية او دوافع سياسية ، وعبروا عن قلقهم بخصوص التعديلات.

ثالثا: وفي تقريري إذا كنت من مؤيدي الحكومة الانتقالية أو أي جماعة من الجماعات، ليس بالضرورة وليس من المناسب والمفيد أن توافقها في كل ما تقرر، إذا شعرت أن ما قررته أو فعلته غير مناسب وغير سليم. يمكنك أن توافقها في موقفها العام، وفي ما يتضح لك صحته وفائدته، َولكن إذا قامت بقرار غير مناسب، ينبغي ان لا تتحرج في إبداء رأيك، بل ينبغي أن يكون هناك تقليدا في كل الجماعات يعطي هامشا للرأي المخالف داخل الجماعة، وهذا يقَوي الجماعة ولا يضعفها. ولا ينبغي أن يتسم الجو السياسي الديمقراطي  بحساسية مفرطة تجاه من يعلنون عدم تأييدهم للحكومة اَو جماعة من الجماعات ويسمح لهم أن يعبروا عن رأيهم، دون تخوين أو تخويف أو إرهاب. هكذا تتلاقح الأفكار وتنمو وتتطور، َوانه من مميزات الديمقراطية والشورى انها تسمح بابداء الرأي، ويكون ذلك سببا في تفتق الرأي الناضج، اما جو الكبت، فإنه يضر بالذين يقومون به قبل أن يضر معارضيهم

رابعا: بالرغم من أن توصيف المناهج، وتحديد مفرداتها يحتاج إلى اختصاصيين وأصحاب دراية في المجال، ولكن كما سبقت الإشارة ان للمواطن العادي، ولأهل المصلحة أن يبدوا آراءهم فيه، فهو ليس حكرا للاختصاصيين أو  ملل أو مشايخ أو قسسة، لكن لمن يريد أن يتحدث في مجال ، أن يتحدث في ما هو مناسب له أن يتحدث فيه، ووفق معيار وضابط الآية ” وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ “

خامسا: قد يكون من المفيد أن تكون بعض الموضوعات لا تخضع للمزايدات السياسية والحزبية والفئوية، والمصالح المتصلة بها. وتترك لنقاش حر، خال من الالتزامات المسبقة، بحيث يتفق الفرقاء والفاعلين على طبيعة هذه القضايا، هذا قد يفيد في ما ينتج من رأى حولها دون تحيز وقد يريح ضمير المشاركين

سادسا : كثير من السياسيين وللاسف الشديد ، لا يعبرون بشفافية وصدق عن مواقفهم الحقيقية. قد يكون سبب ذلك خوفهم من ان الافصاح عنها وأنه قد يضر بتاييدهم او مصالحهم الخاصة والضيقة او لشعورهم بوصاية على الاخرين او بالشعور الفرعوني : ” مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ”. ولقد سمعنا ان احدهم تفرعن وقال: ليس هناك من يعرف المناهج مثله .هذه الحالات التصرف بدوافعها غير 

اخلاقي ، وفيه عدم احترام للمواطن. كيف يحكم المواطن ويبدي رأيا بالموافقة ، في امر لا يملك الحقائق الخاصة به.

سابعا: الرسالة التي وصلتني، فيها فقط المفردات المراد حذفها، وليست مصحوبة بمبررات الحذف. وأعتقد أنه لا يجوز أن يُقال ما دام الذين قرروا الحذف، قد يكونوا أو أنهم بالفعل اختصاصيون، فبالضرورة أن تكون قراراتهم صائبة لأنه من المحتمل أن تكون خاطئة. ومن المحتمل أن يكون هناك خبير أو اختصاصي، لا تضمه المجموعة التي قررت الحذف. وهنا لا اقصد شخصي. انا كمواطن وشخص قمت بتدرس الثقافة الإسلامية في جامعات عربية و غير عربية، واشتغلا بمهنة التدريس زمنا طويلا والحمد لله، قد يحق لي ان أبدى رأيي في مسألة الحذف هذه.

ولكن قبل أن ابدي رأيي ، فمن العدالة أن أحاول ان أتلمس ، ما يمكن ان يكون مبررات لحذفها.

إن من أسباب الحذف ، اعتبار المفردة ليست ذات أهمية معرفية وان الطالب لا يحتاج الى معرفتها ، أو أنها ذات أهمية ولكن هناك مفردات ذات أهمية أكبر ، وأن العبء الدراسي للطالب لا يسمح بالجمع بينهما . أو أنها لا تناسب مرحلة معينة من مراحل التعليم  وتحول الى مرحلة اخرى اكثر مناسبة لتدريسها او ان مفردتها يمكن ان تعالج في مقرر اخر وهكذا وهكذا. ما اريد ان اثبته ان هذه المقررات مهمة وينبغي ان يزود الطالب بمعرفة فيها، ولا ينبغي حذفها ، ولكن لا مانع عندي ان يجري تعديل في مضمون المعلومات التي يشملها الكتاب المقرر، وفق الموضوعية والمنهج العلمي.

ان المفردات التي يراد حذفها والخاصة بعلاقة المسلمين بغير المسلمين وبالولاء والبراء، هذه قضايا صارت تناقش وتكتب فيها البحوث والكتب وتهتم بها المؤسسات العلمية العالمية الكبرى خاصة بعد الثورة الإيرانية، ولصلتها بالقضية الفلسطينية، وظهور طالبان والقاعدة وتنظيم الدولة، والصحوة  الاسلامية التي انتظمت العالم الاسلامي، وفوز الاسلاميين في بلاد عربية واسلامية بالانتخابات، والتغيرات التي حدثت في تركيا . بالاضافة الى ذلك فان الاوروبيين ذوي الاصول الاسلامية ، صار لهم وعي بهويتهم الاصلية وثقافتهم وما للاسلام والحضارة الاسلامية من تاريخ، وما للاسلام من امكانية ان يفجر طاقات المسلمين فتحدث تغيرات كبيرة في العالم. واشتهرت كتابات مثل حوار الحضارات لهانتنقتون . ومن المعلوم ان علاقة المسلمين بالغرب مرت باحوال توتر شديدة ، بسبب استعمار واستغلال الغرب للمسلمين وثرواتهم . واليوم علاقات الدول الاسلامية وقطاعات المسلمين متنوعة ومعقدة. هناك دول وقطاعات من المسلمين من يطلب حماية الدول الغربية ، وهناك من يرى من ماركسيين وليبراليي وعلمانيين ان الفكر الغربي هو سبب التقدم والنهضة فينبغي الاخذ به، وهناك من يطلب التميز والاخذ بالمرجعية الاسلامية ، وغالب المسلمين في راي المعلق ينشدون الحفاظ على الهوية والاستقلال وتطوير الذات وينشدون علاقة تعايش واحترام وتبادل منافع هذا من حيث المباديء، والقران يقول : ” لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ”. في الواقع فالكرة كما يقولون في يد الغرب والواقع ايضا يتحدث عن صراع الحضارات . وفي الغرب ما زالت الظاهرة الغالبة هي ظاهرة الاستعلاء بجانب ظاهرة الاسلاموفوبيا .

    لا شك في اهمية العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين وانها من اهم القضايا والتحديات التي تواجه المسلم المعاصر، وان تزويد الطالب بمعرفة علمية موضوعية ينبغي ان تكون من اولويات المناهج التربوية والتعليمية. سأورد نصوصا من القران الكريم متنوعة تحكم هذه العلاقة ينبغي إعمالها جميعها ، بطريقة متسقة ومتكاملة ، وفي ما يلي جملة منها:

  • ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ”.
  • ” لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ …”
  • ” قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا …”
  • ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ..”
  • ” لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ…”
  • ” وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ..”
  • ” مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ” – لا فائدة من ولايتهم .
  • ” وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ” – لن تستطيع أن ترضيهم مهما فعلت لارضائهم .
  • ” لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا” – هذا مشاهد .

وحذر الإسلام تحذيرا شديدا من الركون إليهم، فخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى : “وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً. إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً”.

ولا ينبغي أن يتخذهَم المؤمن بطانة،  يقربهم ويستعين بهم، لأنهم سوف لا ينفعونه ولا يزيدونه إلا إفشالا. يقول تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ…” . ولا يجالسهم عند استهزائهم بالدين فيقول تعالى ” وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ…”

وفي ما يلي آيات من القران الكريم تعبر عن معاني أخرى عن العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين:

  • ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ..”
  • ” لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ”.
  • ” لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ..”. هذه رخصة تُجِوز عدم المواجهة في حالة الضعف ولكنها ليست مطلقة ، فلا ينبغي ان يركن المؤمن للاستضعاف . يقول تعالى:” إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا”. ويقول تعالى أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ”. ويقول تعالى:” وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا”. ويقول تعالى:” لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ “. ويقول تعالى:” كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ”. إذن المسلم لا ينصر ولا يعاون غير المسلم على ظلمه ، ولكن يمكن ان يتعاون معه  على نصرة المظلوم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقدْ شَهِدْتُ في دارِ عبدِ اللهِ بنِ جُدْعانَ حِلْفًا، لو دُعِيتُ به في الإسلامِ لأَجَبْتُ)، وكان حلفا لنصرة المظلوم. ولا تجوز مودة الكافرين ومحبتهم ، يقول تعالى:” لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ..”. لكن يمكن أن يبرهم بغرض الاحسان اليهم وبغرض استجابتهم للدعوة ، ولا ينبغي الخلط بين دعوة الاسلام وسماحته في معاملة اهل الكتاب وبين الولاء الذي لا يكون الا لله. وكذلك زيارة النبي صلى الله عليه وسلم للشاب اليهودي في نفس المعنى.
  •    بقي الحديث عن مسألة سياسية تتصل بقضية حذف المفردات في منهج التربية الإسلامية وهي : هل للحكومة الانتقالية الحق في أن تفرض رؤيتها أو ايديولوجيتها أو فلسفتها في تعديل المناهج أو تعديل القوانين؟. من المعلوم أن الحكومة الرشيدة  أو الديمقراطية  لها مكونان: مكون تنفيذي ومكون تشريعي ورقابي، وأن المكون التشريعي هو الذي يجيز القوانين، وليس المكون التنفيذي بالإضافة إلى أنه يقوم برقابة المكون التنفيذي، وقد يسحب الثقة من الحكومة. ولو سلمنا جدلا أن هناك عوائق حالت دون وجود مكون تشريعي أو أن الخلافات بين ممثلي الثوار أو الشعب أو قحت أو محاصصات حركات الكفاح المسلح حالت دون ذلك، وأن التنفيذي، يمكن أن يقوم بدور المكون التشريعي، وأنها حالة ضرورة وأنها حكومة يؤيدها الشعب، وان شرعيتها مستمدة من أنها تنفذ مطالب الشعب، هذا يقتضي منطقيا أن نتلمس مطالب الشعب الحقيقية. هذه المطالب للمراقب للاحداث تتلخص في الاتي :
  • محاكمة من اعتدى على المال العام ورد ذلك المال لخزينة الدولة ، ومحاكمة كل من اقترف ظلما او جرما بالقانون.
  • ازالة التمكين لانه يعوق الانتخابات الحرة النزيهة ، ولان المتمكن ليس له حق في التمكن.
  • وبالمثل لا يجوز ازالة تمكين وان يحل مكانه تمكين اخر لانه ايضا يعوق الانتخابات الحرة النزيهة  ، ولان المتمكن ليس له حق في التمكن.
  • الإعداد لانتخابات حرة نزيهة ، وهذا هو العمل الاساسي للحكومة الانتقالية.
  • تسيير دولاب الدولة عن طريق كفاءات ، بعيدا عن الاجندة السياسية الخاصة ، ورفع المعاناة  عن المواطن وتوفير الخدمات الاساسية له واحتياجاته المعيشة والصحة والتعليم وغيرها ،ما وجد لذلك سبيلا.
  • انه ليس من بين هذه المطالب  مطالب خاصة بتعديل  القوانين الخاصة باللبس الفاضح او البغاء او اللواط ، او شرب الخمر لغير المسلمن وليس من بينها تعديل المناهج . هذه أجندة خاصة بجماعات معينة ومطالب قوى خارجية. هذه الجماعات يمكنها طرح هذه التعديلات في برامجها الانتخابية، واذا نالوا تأييد الناخب فيكون لهم الحق في تعديلها. هذه فتر ة حرجة من تاريخ السودان لا يناسبها اثارة خلافات قد تكون لها أثار ضارة.
  • بقي امر من الواجب أن أعلق عليه وهو مقولة القراي ، التي وصف فيها الصحابة بالدواعش .

هذا وصف غير عادل وغير منصف وظالم وفيه تعدي على مشاعر المسلمين ، ويستفزهم ويغضبهم.  شخص يستخدم هذا العنف اللفظي توكل اليه ادارة المناهج!. وقد كانت تصريحاته ، وباعترافه ، كما سبق ، تجد معارضة ممن هم ليست لهم انتماءات حزبية أو ايديولوجية. لو تدبر رئيس الوزراء وحاضنته وتوفرت لهم الحكمة، واستقلال الراي كان يمكن أن يعطوا الجمهوريين منصبا غير هذا المنصب إذا أشكل عليهم اعفاؤه من المنصب ، فإنه في هذه الحالة ، عليهم ان يراقبوا قرارته غير السليمة ، ولا يُسمح له باصدارها.

   دعنا ننظر في وصف القراي  الصحابة رضوان الله عليهم بانهم دواعش ، بالرغم من أن الوصف فيه سوء ادب . هل يدعم قوله هذا أدلة موضوعية؟ إن قوله هذا مستمد من آراء معلمه محمود محمد طه .هل استحق هذا الوصف الصحابة رضوان الله عليهم ، لانهم كانوا يحاربون اعداءهم ويجاهدون في سبيل الله!؟. إذن كان الوصف في سياق الحرب التي يقومون بها ، ومبرراتها وأساليبها . هذا يقتضي مقارنة  الجهاد أو الحرب عند المسلمين والحرب ومبرراتها وأساليبها في هذا العصر. هل ممكن أن يُقال عن الذين يشنون الحروب اليوم ، انهم يتمتعون بمشاعر انسانية ورقي خلقي!. هل يحسن هذا الوصف لمن يقذفون الآمنين في منازلهم بالبراميل المتفجرة، وهل يحسن أن نصف به دولة ألقت القنبلة الذرية في هيروشيما وناجازاكي، التي قضت على الصغير والكبير والمرأة والحيوان والنبات! ، وهل يصدق على عالم هتلر وستالين!، وعلى عالم إبادة الهنود الحمر والسكان الاصليين في استراليا! وهل يصدق على عالم الاستعمار الذي نهب ثروات الشعوب وما زال ينهبها! وهل يصدق على سجون قواتناما وسجن أبو غريب والسجون العربية!.

عالم تمارس فيه أنواعا من التعذيب القبيح والكريه والمقيت الذي تشمئز منه النفوس. العالم الذي ترمي فيه قائدة العالم المتحضر- كما يصفه محمود واتباعه – قنابل في مناسبة زواج وفرح في افغانستان ، لكي تصيب رؤساء القبايل لانه من عاداتهم ان يشهد رؤساء القبايل مناسبات الزواج!.

إذا جاز لنا ان نقارن مبررات الحرب واساليبها بالممارسة المعاصرة، فإن علماء الاسلام المعاصرين اتفقوا ان مبرراتها:

  • الدفاع عن النفس
  • نصرة المظلوم
  • إتاحة حرية الدعوة

وقاعدة أسلوب الحرب: “وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ”. أباح الاسلام العقوبة بالمثل ولكن ليس بطلاق والأفضل تركها . والإسلام لا يسمح بعقوبة المثل ، اذا كان مثلا زنا بحرمته . فلا يجوز للمسلم  أن يفعل  من القبائح المنافية لكرامة الانسان مثل ما تم في سجن ابو غريب وبعض السجون العربية.

   فبطلت حجة محمود التي تدعي ان إنسان العالم المعاصر يتميز بصفات خلقية وحضارية، تجعله مستعدا لتطبيق قيم، ما كان الناس في صدر الاسلام لهم الاستعداد لتطبيقها. لقد شهد العالم المعاصر أفعالا قبيحة ليس لها مثيلا في التاريخ.

ومن المناسب أن نُبدي بعض الملاحظات عن فكر محمود دون تفصيل، لأن ذلك يحتاج الى مساحة كبيرة. لمحمود مقولات في العقيدة والعبادة والشريعة أو المعاملات ، وكلها مقولات شاذة وباطلة ولا تستند الى دليل وتصادم الحس الديني للمسلم ، وفي ما يلي نماذج من تلك المقولات. قال في العقيدة بألوهية الانسان، وأنه يمكنه ان يأخذ كفاحا أو مباشرة من الله  ما يحتاجه من توجيهات في حياته -يوحى له-. ومن مقولاته في العبادة صلاة الاصالة التي لا يقلد فيها الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي). أي أن محمود لا يصلي الصلاة ذات الركوع والسجود التي يصلي وفقها المسلمون، وقد أخبرت بذلك ابنته في برنامج تلفزيوني موثق، ولم يقب إدعاء أحد اتباعه أنه وصل درجة الاصالة هذه ، فهي صفة يتصف بها

محمود وحده.

وفي الشريعة قال محمود :الإسلام شريعتان: شريعة جاءت بها آيات القران المدني لا تصلح لزماننا هذا وشريعة جاءت بها آيات القران المكي ، لم تكن للصحابة ولا لإنسان الصدر الاول من الاسلام ، القدرة على تطبيقها، وقال أن آيات القران المدني تعبر عن فروع الدين ، وايات القران المكي تعبر عن أصول الدين: حرية ، عدالة، ومساواة. وقال ان الآيات المكية نسخت الايات المدنية وهذا يعني ان السابق ينسخ اللاحق

ولكن محمود قال النسخ بمعنى الارجاء ، والارجاء ليس بنسخ. مهما كان الامر ، السؤال : لماذا لم يبين الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الأمر العظيم والقرآن طلب منه أن يُبين ما نُزل اليه فالله تعالى قال: “.. وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ…”. ولكن كعادة محمود، ليصل إلى ما يريد ان يصل اليه، فقد فسر الطلب  بطريقة غير موضوعية وغير ملتزمة بقواعد ، ومخالفة لرأي الجماعة العلمية عبر التاريخ فقال الطلب ليس عاما. لو كان هناك أمرا يستحق البيان لم يكن هناك امرا أولى بالبيان من هذا الامر الذي يغير أحكام الدين تغييرا جذريا.

 قلنا ان هذه طريقة محمود في تحكم محمود وتفسيره الذاتي وغير الموضوعي لآيات القران الكريم . فقد استدل على الوهية الانسان بقوله تعالى : ” .. قُلِ اللَّهُ..” فقال محمود: قل الله تعني كن الله ، وقال في تفسير قوله تعالى ” لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا”  أنها تعني أن لكل فرد شريعته الخاصة به.

وقال محمود في الاقتصاد : ان شريعة القران المكي ، توجب على المسلم أن ينفق ما زاد عن حاجته ، وليس الزكاة ذات المقادير أو يدفع ضريبة تصاعدية او غيرها. وأعتقد أنه في قوله هذا كان متاثرا بالشعور العام في تلك الفترة التي كانت فكرة الاشتراكية المغايرة للراسمالية في تصاعد وتجد قبولا كبيرا. وقد  يتساءل الشخص لمذا لا نسمع كثيرا من اتباعه الحديث عن هذا المبدأ و المطالبة بتطبيقه في عالم سيطرت فيه الرأسمالية ، وحزب الجمهوريين كان ينادي بالاشتراكية!؟

ينبغي الاشارة السريعة لاحكام الاسلام في انفاق المال: الاسلام يحرم اكل اموال الناس بالباطل، ويبيح البيع والشراء – بحسب شروط البيوع الصحيحة-، ويفرض الزكاة، ويحث على الصدقات، وقرر الفقهاء في المال حق فوق الزكاة في حالات معينة، ويشجع الشراكة في المال في الأزمات، فقد قال صلى الله عليه وسلم (إنَّ الأشْعَرِيِّينَ إذا أرْمَلُوا في الغَزْوِ، أوْ قَلَّ طَعامُ عِيالِهِمْ بالمَدِينَةِ، جَمَعُوا ما كانَ عِنْدَهُمْ في ثَوْبٍ واحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بيْنَهُمْ في إناءٍ واحِدٍ، بالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وأنا منهمْ)،  بل يشجع على الإيثار فيقول تعالى: “… وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”.

ويُرجح المعلق أن محمود أخذ آراءه من الفكر الباطني وكارل ماركس وهيجل وبعض علماء الانثوبولوجيا.

فقد أخذ محمود من الفكر الباطني إمكانية أولوهية الانسان وأن يأخذ من الله كفاحا (مباشرة)، واخذ من ماركس مقولة ماركس: من كلٍ حسب طاقته ولكلٍ حسب حاجته – ما زاد عن الحاجة عند محمود . واخذ من هيجل أن التاريخ متجه ان تكون للفرد الحرية المطلقة والتحقيق الكامل لذات الإنسان – عند محمود الانسان الكامل والانسان الإله ، ولكل فرد شريعته الخاصة به، وعند ماركس في مرحلة الشيوعية الاخيرة تلاشي الدولة والقانون، وكلها ( يوتوبيات). وأخذ محمود من علماء الانثروبولوجيا فكرة تطور الأديان من أديان آلهة متعددة وأديان وثنية الى عقيدة التوحيد – مع أن القران يحدثنا أن عقيدة التوحيد مساوقة للوثنية أو سابقة لها من لدن سيدنا آدم  وسيدنا نوح. ليست هناك ادلة قاطعة تثبت نظرية تطور الاديان انما هي نتيجة ظنون speculations.

نقول وعلى أية حال نظرية الرسالة الثانية محتواها رقيق ، إلا في بعض أحكام الاسرة وقليل غيرها ، وهي عبارة عن شعارات : حرية ، عدالة ، مساواة ، وفي حاجة شديدة الى تنزيلها الى احكام قانونية ، وفي هذه الحالة فهي معرضة للاهواء والتلاعب .

اذا قارنا نظرية محمود بنظرية ابن حزم في أصول الفقه التي رفض فيها القياس –  مع الفارق الشاسع بينهما- نجد ابن حزم كتب كتاب المحلى في الفقه، ولم يرم القول جزافا .

المقال الأخير

image

تعليق على مقال الدكتور عبد الله علي إبراهيم الذي بعنوان: منظمة الدعوة الاسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم تعليق على مقال الدكتور عبد الله علي ابراهيم، والذي بعنوان: منظمة الدعوة الاسلامية ......ولماذا كنا دولة مقرها اصلا بقلم: عبدالله حسن زروق في ما يلي المحاور…
image

تعليق على موضوع حذف بعض المفردات في منهج التربية الاسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم تعليق على موضوع حذف بعض المفردات في منهج التربية الاسلامية. بقلم د.عبد الله حسن زروق.          جاءتني رسالة في الواتساب حول تعديلات في…
image

تعليق على مقال دكتور عمر القراي: علماء السلطان وثورة الفتاة

د.عبدالله حسن زروق     الحلقة الأولى طلب مني اخ فاضل التعليق على مقال دكتور القراي عن البرنامج الذي بثته قناة المانية بالتعاون مع قناة 24 السودانية تحت عنوان (شباب توك)…