د.عبدالله حسن زروق
الحلقة الأولى
طلب مني اخ فاضل التعليق على مقال دكتور القراي عن البرنامج الذي بثته قناة المانية بالتعاون مع قناة 24 السودانية تحت عنوان (شباب توك)
أود ان انبه القارئ ان المعلق ليس غرضه من هذا التعليق الدفاع عن هيئة علماء السودان او النظام الحاكم انما غرضه ان يساهم برأيه مساهمة متواضعة في قضايا فكرية ودينية.
التعليق يحوي على النقاط التالية:
1–مسرح المناظرة
2-تناول د. القراي ما حدث في البرنامج
3-طبيعة الحجاج الذي استخدمه
4-المرجعيات
5-القضايا التي تناولها البرنامج
مسرح المناظرة
انتقد القراي محمد عثمان صالح رئيس هيئة علماء السودان حيث قال محمد عثمان: انه فكر في الانسحاب من الحوار لانه شعر ان مسرح المناظرة اعد بطريقة متحيزة وغير محايدة فجمهور الحاضرين يمثل اتجاها معينا مضادا لرأيه، الا ان محمد عثمان عدل عن فكرة الانسحاب لان انسحابه قد يفسره جمهور المشاهدين بعدم قدرته على مواجهة المناظرة ورجح اجتهادا منه ان الضرر على الفكرة الإسلامية سيكون اكبر.
فعلق القراي على ذلك بقوله: لماذا فكر في الانسحاب وتراجع خوفا من الرأي العام؟ لماذا لم يتحدث ليهدي السامعين الضالين؟ ورأى القراي ان محمد عثمان صالح بموقفه هذا لم تكن مشاركته مقصدها لله وانها كانت رياء.
يتساءل الانسان كيف جاز للقراي ان يستنتج من قول محمد عثمان صالح ان مشاركته لم تكن لله ؟
المشاركة مقصدها اقناع الناس بما هو حق من امر دين , فإذا اتضح للمشارك ان طريقة الحوار لن تؤدي لذلك المقصد لان الاعداد لم يكن محايدا ومتحيزا ومراد منه ان ينتصر الراي المضاد، فهل هذه الخواطر فيها عصيان لله أو رياء؟ من الواضح انها لا تدل على ذلك وان استنتاج القراي غير صحيح.
الخطأ الأساس الذي وقع فيه القراي هو انه لم يدرك انه لا تنبغي المشاركة في مناظرة او حوار(او أي نوع من المباراة) لاتتكافأ فيه الفرص ويكون اعداده بطريقة غير محايدة.
فالبرنامج لم يكن مسرحا للوعظ او فصلا دراسيا هذا مشهد شبيه بالمباراة ينبغي ان يكون فيها الحكم محايدا وتتكافأ فيها الفرص التي تؤثر في نتيجة المباراة
انا هنا لا احكم على البرنامج بانه اعد بطريقة غير محايدة. هذا يحتاج الى حقائق تثبته (لقد قرأت عددا من التعليقات يرى اصحابها ان الاعداد لم يكن محايدا)
ما اود ان اوضحه ان خطأ القراي هو في اعتقاده انه ينبغي على كل صاحب دعوة او فكرة ما دام انه يريد ان يهدي الناس ويقنعهم بما هو حق ان يشا ك في أي حوار اومناظرة مهما كان نوع الاعداد لها.
هنا اذكر ما قاله ادورد سعيد المفكر الفلسطيني وصاحب كتاب “الاستشراق” المشهور والمشهود له بالقدرة الفكرية واخلاصه (نحسب ذلك) للقضية الفلسطينة فقد قال: كانت القنوات الفضائية تدعوه لحوارات ليوضح وجهة نظره في قضية ما, وكان يستجيب لتلك الدعوات ,ولكن لما ظهر له ان مقدم البرنامج يود ان يصل بالحوار الى نتيجة ضد موقفه, فلا يعطيه الفرصة العادلة والمتكافئة لعرض وجهة نظره ,قرر سعيد بعدها ان لا يستجيب لدعوة حوار- خاصة اذا كانت قضية الحوار القضية الفلسطينية.
واذكر ان مقدم برنامج القناة الألمانية دعا الشيخ المصري أحمد كريمة لحوار مماثل للحوار الذي جرى مع محمد عثمان, ولما شعر الشيخ بان مقدم البرنامج ليس محايدا غضب وخلع المايكرفون وغادر استديو البرنامج.
كما اذكر ان مدير هذه القناة (24) عندما كان يقدم برنامجا في النيل الأزرق دعا أستاذا من جامعة الخرطوم لنقاش قضية دينية ليبدي فيها وجهة نظره فاستجاب وشارك في البرنامج , لكنه واجه ثلاثة اشخاص لهم وجهة نظر مخالفة لوجهة نظره , بالاضافة لمقدم البرنامج الذي كان منحازا-بذكاء وحرفية- لوجهة نظر الثلاثة.
ولقد سمعت حديثا مسجلا للاخ الفاضل الجميعابي قال فيه مخاطبا العلماء: ان أصحاب القناة اعطوكم فرصة لمخاطبة الشباب لكي تبينوا وجهة نظركم وقال :ضموا الشباب ونحن نعطيكم فرصة لتبينوا لهم ما هوحق , وونرتب لكم اللقاء . قول الجميعابي جيد بأن يضم العلماء اليهم الشباب وجميل أيضا ابداء رغبته في مساعدتهم ، ولكن قوله ان القناة اعطتكم فرصة ينطبق عليه ما قلناه عن ما قاله القراي فالفرصة ينبغي ان تكون فرصة حقيقية كالتي تفضلتم باقتراحها لهم.
وتجدر الإشارة بان مسألة الدفاع عن الإسلام ليست مهمة هيئة العلماء وحدهم انها مهمة كل مسلم قادر عن الدفاع عنه.
ان الشبهات المثارة ضد الإسلام وتلك المستجدة متنوعة وليست كلها في مجال الفقه فقط, وان العلماء الذين دربوا في مجالات علوم معينة ليس من الانصاف ان نحملهم عبء الدفاع عن كل قضايا الإسلام والشبهات الموجة عليه والقضايا المستجدة التي تحتاج إلى حلول ،ذلك بالرغم من ان القضايا المثارة في البرنامج في مجملها تقع في دائرة قوانين الاحوال الشخصية. ولكنها في نفس الوقت تتصل بقضية الحريات وبقضايا فلسفية وبقضايا الفكر المعاصر.
ان قضايا الإسلام الملتبسة بقضيا الفكر المعاصر من المفترض ان تعالج ضمن برنامج تأصيل المعرفة. الامر الذي يحتاج الى كادر مناسب للقيام به ويحتاج الى مزيد من دعم الدولة له ومزيد من الترشيد. ولا ينبغي ان تدور الدولة في الدائرة التي لانهاية لها والتي تسمى تثبيت السلطة وتهميش القضايا الحيوية الاخرى .
لقد اطلت في ذكر امثلة لظاهرة عدم حياد الاعلام لاني لاحظت ان الكثيرن لهم وجهة نظر مماثلة لوجهة نظر القراي.
وليسمح لي القارئ ان ان اضيف بعض الفقرات في قضية عدالة الاعلام .وما ساقوله ليس مقصود به القراي, ولكنها فرصة وجدتها لإثارة قضية اعتبرها بالغة الاهمية وهي السيطرة على الاعلام كما وصفها عالم اللسانيات نعوم شومسكي وكما وصفها بالتلاعب بالعقول المفكر هيربرت شيللر
الاعلام جهاز خطير ويمارس قدرا كبيرا من التضليل . والاعلام الذي له قدرات كبيرة فعادة السلطة والدول وأصحاب الأموال والتكتلات ذات النفوز، تقوم بتوجيهه او قل بالتضليل والتلاعب بالعقول.
الامر يحتاج الى اصلاح جذري وحقيقي . ولعله من حسن الحظ ان يظهر نوع جديد من الاعلام , سيتناول المعلق امره لاحقا ان شاء الله
طبيعة حجاج القراي
لقد ارتكب القراي مغالطة منطقية تعرف في المنطق اللاصوري ب”مغاطة الهجوم على الشخص” بجانب مغالطات أخرى سيرد ذكرها. هذه المغالطة تعني بدلا من ان يهاجم المتحدث ما قاله خصمه بحيث يبين خطأ أقواله بمعايير مرضية ، يتجه المتحدث إلى الهجوم الشخصي على الخصم , فيصفه كما وصف القراي محمد عثمان صالح بانه من سدنة النظام ومن علماء السلطان, ويطعن في أخلاقياته وسلوكه. ويصبح تركيزه على الهجوم على الشخص. وتجدر الإشارة إلى أن القراي – في موضع سبق الإشارة إليه- عندما هاجم محمد عثمان صالح هجوما شخصيا في مسألة تفكيره بالإنسحاب من البرنامج واتهامه بالرياء، لم يكن هجومه مبنيا على دليل ولم يكن متماسكا من ناحية منطقية
قضية علماء السلطان وتحديدهم قضية جديرة بالاهتمام ولكن التركيز عليها في هذا السياق يشوش ويثير غبارا كثيفا حول القضايا المطروحة والتي ينبغي أن تحظى بنقاش مستقل لأهميتها الاجتماعية والدينية.
الموضوع المطروح للنقاش هو ما قالته وئام شوقي في موضوع لبس المرأة والتحرش وغيرها من أحكام الأسرة والمرأة. من حيث المعايير الشرعية – أو من حيث التقاليد والميراث الثقافي أو من حيث معايير ليبرالية أو غيرها- في هذا ينبغي أن يكون الجدال وليس عن ممارسات الحكومة والعلماء.
وعندما هاجم القراي الفكرة والكلام ارتكب مغالطات من نوع آخر ومن أمثلة هذه المغالطات التي ارتكبها – بجانب مغالطة الهجوم على الشخص- مغالطة تعرف بمغالطة “الرجل القشة” The straw man ومغالطة المنحدر المنزلق Slippery slope
سنواصل إن شاء الله في الحلقة الثانية الحديث عن هذه المغالطات.
الحلقة الثانية
بينا في الحلقة الأولى كيف ان القراي ارتكب مغالطة الهجوم على الشخص وسنبين بعون الله بجانب هذه المغاطة انه ارتكب مغالطة تعرف بمغالطة الرجل القشة وأخرى تعرف بمغالطة المنحدر المنزلق.
تعني مغالطة الرجل القشة ان صاحب الحجاج يضع في لسان خصمه حجة ضعيفة يوهم السامع ان خصمه قالها ثم يهاجمها. ومثال مغالطة الرجل القشة في الكلام العادي ان يقول المعارضون للقائلين باستخدام الطاقة النظيفة ان قولهم هذا يعني ان كل اسرة افرادها أربعة تحتاج الى أربعين فدانا واننا بعد فترة سوف نقضي على الغابات,مع ان المنادين باستخدام الطاقة النظيفة يقولون دعونا نستخدم الحطب والطاقة الشمسية وطاقة الرياح ونقلل من استخدام طاقة البترول والطاقة الذرية.
ومثال مغالطة الرجل القشة في حجاج القراي: نوعية لبس المراة ومسألة خروجها من المنزل وفي حجاجه في مسالة خروج المراة من المنزل ارتكب بجانب مغالطة الرجل القشة مغالطة المنحدر المنزلق.
قال القراي لا يشترط في لبس المراة المحتشم لبس العباءة الإيرانية السوداء. من قال من الذين يحاورهم انه يشترط في لبس المراة ان تلبس العباءة الإيرانية السوداء؟. فاذا جاز له ان يختار الثوب السوداني غير الشفاف (بالرغم من ان الوصف غير منضبط تماما)جازلمن يقول بخياراخر غير الثوب او العباءة السوداء,وفي الحقيقة الذين يعتبرهم معارضين له يقولون بمعايير عامة فمنهم وهم اغلب العلماء يقولون: ينبغي ان يغطي لبس المراة كل جسمها ما عدا الوجه والكفين( وبحيث لا يكون شفافا او ضيقا يظهر مفاتن المراة ويثير الشهوة ….الخ). وهنالك من قال ينبغي ان يغطي اللبس كل جسم المراة
, وقال: القراي أيريد محمد عثمان صالح بنات منقبات متزمتات ليوعظهن؟ محمد عثمان من الذين يريدون بنات محجبات لا منقبات. واعتقد ان تركيز محمد عثمان صالح هي حول إيجاد بيئة متوازنة في مسرح الحوار لا متحيزة لجانب.ومن ناحية أخرى فإنه من باب الاحترام للمنقبات ان لا يصفهن بوصف سلبي وفيهن أساتذة في جامعة الخرطوم, وقولي بأن فيهن أساتذة جامعات ليس هو معياري لقياس درجة النضج للنساء ولكني استخدمته لأن القراي يعتبر أن المرأة الخريجة ليست هي المرأة في العهد الإسلامي الأول فهي أكثر وعيا ونضجا ولا ينبغي أن تعامل كمعاملة المرأة في ذلك الزمان والتي اعتبرها “خارجة من حفرة الوأد”
أورد بعضهم في سياق هذه القضية قولا للدكتورة احسان ارتكبت هي فيه بدورها مغالطة شبيهة أيضا بالمغالطة التي ارتكبها القراي حيث قالت: هنالك اعتداءات على أطفال الخلاوي وبنات لا يلبسن لبسا متعريا.
من قال ان كل الاعتداءات سببها اللبس المتعري؟ ومن لا ينكر هذه الاعتداءات ومن لا يطلب معاقبة مرتكبيها؟ بل من لايطلب معاقبة الذي يتحرش بصاحبة اللبس المتعري؟ كل أنواع التعدي مرفوضة وينبغي معاقبتها.
مشكلة القراي في ظن المعلق ومن يتخذون موقفا مشابها لموقفه، ان عالم اهتمامهم هو النظام الحاكم,واعتقدوا ان هذه فرصة مناسبة لمهاجمته. اما القراي في ظني ان هدفه الأهم هو مهاجمة علماء الشريعة وليس هيئة علماء السودان وحدهم ولكن كل علماء الشريعة – سواء كانوا علماء الازهر او الكبيسي او الشعراوي او محمد راتب النابلسي اوالشيخ عوض الله صالح رحمه الله او غيرهم- لتحل محلهم اراء محمود محمد طه وشريعته.
المغالطة الثانية والمهمة في حجاج القراي هي مغالطة المنحدر المنزلق.
ومثال هذه المغالطة في الكلام العادي ان يقال في محكمة: اذا لم يدان المتهم في قضية بسيطة, فان الجريمة ستكون بلا عقوبة وسيندفع المجرمون هائجين, وسوف يهدد ذلك النسيج الاجتماعي للمجتمع بل سيؤدي الى تفكيك المجتمع.
وفي ما يلي المغالطة الشبيهة التي ارتكبها القراي.
قال القراي ان أصحاب الشريعة يقولون ان هنالك شرط واحد يبيح خروج المراة وهو اذا خرجت لضرورة وذلك للعمل لتعول ابناءها الذين فقدوا والدهم.
من اين جاء بالاستنتاج انه حسب رايهم ان الحالة الوحيدة المسموح بها للخروج هي للعمل لتعول ابناءها الذين فقدوا والدهم! لا شك انه ليس من اقوالهم ولا من افعالهم (قد يكون في زمن ماضي ليس ببعيد الراي المحافظ ان المراة لاتخرج الا لضرورة العمل), قد يكون ما الزمهم به كعلماء شريعة من نص الاية:”وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى” الاية لا تشير الى استثناء واذا استعين بدليل اخر للاستثناء لماذا لا يستعان بادلة أخرى لاستثناءات أخرى كقوله صلى الله عليه وسلم لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ومشاركة النساء في الحروب وفي طلب النساء من النبي صلى الله عليه وسلم ان يجعل لهن يوما في المسجد يعلمهن فيه دينهن وقوله تعالى:”والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر…الآية ” وغيرها من الأدلة.
وهنا مغالطة من نوع آخرارتكبها تعرف بالمغالطة المعرفية:
اذا كان شخص يعتقد في القضيه س ويلزم من القضيه س القضية ص فانها تحدث مغالطة اذا استنتجنا انه ينبغي ان يعتقد في القضية ص, اذ قد لاينتبه لهذا. نلزمه بالاعتقاد بعد ان ننبهه لهذا اللزوم.
قال القراي:” اذا خرجت المراة لغير ضرورة حددتها الشريعة كأن ذهبت للجامعة او شاركت في برنامج تلفزيوني او خرجت في مظاهرة كما تفعل الاخوات المسلمات فهي مفارقة لامر الشريعة بالبقاء في بيتها مهما كان الذي تلبسه, وانزلق في منحدر حجاجه , واستنتج أن كل النساء اليوم لايطبقن الشريعة بما في ذلك بنات علماء السودان (ومن ناحية أخرى فلا ادري لماذا خص بنات علماء السودان واعتبر انهن ينبغي ان يكن اكثر تدينا)وزوجاتهم ولن يستطعن تطبيقها”
الزم القراي معارضيه – كما تقدم- بمعتقد وسلوك لم يقولوا انهم ملتزمون به ,بل العكس,وليس هنالك في معتقدهم ومما اسماه الشريعة مما يلزمهم به كما أوضحنا سابقا, فتحكم ووضع في لسانهم اقوالا نسبها اليهم ليسهل عليه مهاجمتهم .
وفي الحقيقة -كما تقدم أيضا- أن هدف القراي من مهاجمة الشريعة ليس مهاجمة اراء محمد عثمان او عبد الحي يوسف ولكن هدفه مهاجمة الشريعة كما جاءت في تعاليم الائمة مالك والشافعي وابي حنيفة(ومن الغريب أنه استعان بمدرسة الإمام أبي حنيفة في حجاجه !) واحمد بن حنبل ومحمد عبده والشعراوي والكبيسي ومحمد راتب النابلسي وغيرهم.
وقال القراي :”الشريعة في امر المجتمع لاتستطيع ان تستوعب الحياة المعاصرة, واردف قائلا: ومن حسن التوفيق الإلهي ان الشريعة هي ليست الدين”
ينبغي الإشارة الى ان المعلق يعتقد ان اهم رسالة يريد القراي ان يوصلها للقارئ هي العبارة سالفة الذكروهي اخطرفكرة في كل ما قال.
نريد في هذا الموضع النظرفي أمرين:
1-ماذاتعني العبارة:” الشريعة هي ليست الدين”؟
2-ما هو البديل الذي يود القراي ان يقدمه لكي يحل محل الشريعة؟
أقول أن الدين يعني النصوص الواردة في الكتاب والسنة,ويعني ايضا الاحكام الصحيحة المستنبطة من الكتاب والسنة والتي يستنبطها العلماء بالرغم من انهم غير معصومين من الخطأ لانه اذا لم يكن هو ذلك فاين يكون الدين؟ فآيات القرآن الكريم لاتتحرك وتدخل في اذهان الناس او تجعلهم يسلكون مسلكا معينا.
الدين هو الكتاب والسنة لانهما الضامن الذي يرجع اليه في حالة الاختلاف, بجانب انهما اساس مصدر الاستنباط .وقد أجمع علماء المسلمين على أحكام شرعية كوحدانية الله سبحانه وتعالى وكأركان الإيمان وأركان الإسلام والكبائر من المحرمات وغيرها.
ما هو البديل الذي يود القراي ان يقدمه للمسلمين مكان الشريعة؟
البديل عنده هو تعاليم محمود محمد طه وشريعته والتي يعتبرها ليست الشريعة التي يعلمها الائمة الأربعة ولا سائر العلماء منذ فجر الإسلام الى يومنا هذا , باختلافاتهم و باجتهاداتهم المتباينة.
وفيما يلي بعض الامثلة التي يودنا محمود ان نعتقده ومن هذه الأمثلة:
ما أسماه محمود محمد طه بصلاة الاصالة التي هي ليست الصلاة التي كانت بالكيفيه التي كان يصلي بها الرسول صلى الله عليه وسلم وامرنا ان نصلي وفقها حيت قال :”صلوا كما رايتموني اصلي” ومثال آخر من تفسيراته الباطنية التي تثير الدهشة والعجب أنه فسر قوله تعالى:” ولكل جعلنا شرعة ومنهجا” ان معناها ان لكل فرد شريعته الخاصة .وفسر محمود قوله تعالى : “قل الله” بطريقة شاطحة انها تعني “كن الله”
والزواج عند محمود محمد طه هو زواج الحقيقية ويعني:التوافق التام والتلاؤم التام بين الزوج والزوجة ولكن قد يخطئ الزوج او الزوجة في واقع الامر في اختيار صنوه او ما يلائمه ,ففي هذه الحالة يجب ان يترك الزوج الزوجة او تترك الزوجة الزوج لكي يبحث عن صنوه او صنوها (وتظل عملية التجربة والخطأ مستمرة حتى يجد ما يلائمه و تجد ما يلائمها !!!) (انظر” قضايا التصوف الإسلامي” , عبد الله حسن زوزق لمزيد من التفصيل في منهج محمود محمد طه وفقهه) .
وسيتناول المعلق إن شاء الله في الحلقة الثالثة القادمة مفهوم النسبية والحرية بالتحليل.
الحلقة الثالثة
سنتناول في هذه الحلقة مفهوم النسبية ومفهوم الحرية لصلتهما اللصيقة بالقضايا التي اثارتها وئام شوقي وتحدث فيها من تحدث ممن اهتم بالموضوع.
النسبية
(فعل الخير:محدداته وعوائقه والتغلب عليها)
قال احد الذين تحدثوا في هذه المسالة : المتعري والمستور مسالة نسبية. ينبغي ان نتوقف في قوله نسبية لان لفظ نسبي قد يعني معان مختلفة وعدم التمييز بينها قد ينتج عنه التباس وخطأ كبير.
فالنسبية فد تعني ثلاثة معاني:
1-نسبية وصفية او ثقافية
2-نسبية معيارية
3-نسبية تسامح
اعتقد ان الاخ يقصد بالنسبية نسبية معيارية.
النسبية الوصفية او الثقافية تعني اثبات حقيقة وهي ان الناس في الواقع يختلفون في سلوكهم , هنالك مجتمع كالمجتمع الإنجليزي يبيح العلاقات الجنسية قبل الزواج وهنالك مجتمع لا يبيحها كالمجتمع السوداني.
وعندما تكون النسبية وصفية او ثقافية فاننا لا نحكم على السلوك بالحسن او القبح او الصحة او الخطأ, اننا فقط نعطي تقريرا لما هو سائد في مجتمع معين.
اما النسبية المعيارية فتقول ليس هنالك معايير عالمية عامة تحدد خطأ السلوك او صحته.
اما نسبية التسامح فانها تقول بالرغم من اني اعتقد ان سلوك اللآخراو اعتقاده غير صحيح الا انني اسمح له بالاعتقاد فيما يريد ان يعتقد فيه وممارسة ما يريد ممارسته, فالمسلم مثلا يعتقد ان اعتقاد المسيحي في ان المسيح بن الله واكله لحم الخنزير خطأ ,ولكنه يسمح له بالاعتقاد والممارسة ويتعايش معه.
.من ناحية أخرى فانه يمكن القول انه من المنظور الإسلامي كل مباح نسبي او كل ما كان من الأمور الظنية الاجتهادية نسبي بحيث لا يوجد نص يدل دلالة قطعية على وجوبه ولكن هذا القول الأخير فيه نظر لانه حسب التقاليد العلمية الإسلامية وعند العقلاء من الناس يقبل الامر ويرفض حسب قوة الدليل الذي يدعمه ,لانه من النادر وجود احكام تحقق شرط القطعية فيقبل الناس الحكم الذي هو اقوى دليلا واكبر احتمالا, كما هو في الأمور التجريبية كالطب والزراعة,فليس فيها ما هو يقيني, فهي ليست كالرياضات, ومما قد يوضح ذلك انك اذا ذهبت الى طبيب واعطاك دواء قد يقول لك ارجع لي بعد أسبوعين لكي يرى اثر الدواء, لانه ليس من المضمون ان يحدث الأثر المتوقع منه, لكنك اذا ذهبت الى صاحب بقالة واعطيته 10 جنيه واشتريت خبز بخمسة جنيهات واعطاك الباقي خمسة جنيهات فانه سوف لا يقول لك ارجع مرة أخرى, لقد انتهت المعاملة واكثر شيء يمكنك عمله ان تراجع ما اعطاك له في وقتهه.
لا مشكل كبير بالنسية للنسبية الوصفية او الثقافية الامن الناحية الفنية فالواصف يحتاج ان يكون وصفه صادقا ويعكس سلوك المجتمع الذي يصفه ونحن لسنا في هذا السياق بصدد إشكالات من هذا النوع. ولسنا بصدد إشكالات نسبية التسامح.
نحن بصدد إشكالية نسبية المعايير. هل هنالك معايير عالمية ولكل المجتمعات تقتضي ان نقول هذا خطأ وهذا صحيح وهذا حسن وهذا قبيح وهذا واجب وهذا ممنوع او مباح؟
يمكن القول ان معظم الناس لا يقبلون النسبية الكلية لانهم مثلا لا يقبلون تعذيب الأطفال الصغار. ولكن قد يكون من الصعب اقناع كل انسان بكل ما نعتبره خطأ.
البعض قد ينتقل من النسبية الثقافية أي ما هو ممارس الى انه ينبغي ان يكون كذلك بمعنى ان ما يريده المجتمع وتعارف عليه ينبغي ان يكون هو الممارس, وهوامر سائد في كثير من المجتمعات ,واعتقاد عند كيثير من الناس , لكنه غير صحيح لان المجتمع قد يمارس امرا قبيحا كالتفرقة العنصرية او القتل العشوائي.
يقول البعض (ومعظمهم من الانثروبولجيين) ان مايبدو لنا قبيحا من سلوك افراد مجتمع معين هو ليس كذلك لو تفهمناه وادركنا معناه ووظيفته في ذلك المجتمع , ويضربون لذلك مثلا في مجتمع يقتل من افراده من يصلون سن الشيخوخة والخرف, وعندما نحاول ان نفهم لماذا يفعلون ذلك نعلم انهم يعتقدون ان الانسان تعود له حياته بعد الموت , ولكن تعود له الحياة في الحالة التي مات عليها فاذا مات في حالة شيخوخة وضعف وخرف تعود له الحياة في تلك الحالة.فرأفة به ولمصلحته يقومون بقتله.
قد لا تكون المشكلة في هذا المجتمع في مشاعره الأخلاقية ولاكنها في معتقداته (الميتافيزيقية) الخاطئة.
فينبغي ملاحظة ارتباط القيم الأخلاقية بالمعتقدات .بالاضافة الى ذلك ليس كل سلوك يمارسه مجتمع من المجتمعات يمكن ان نجد له تفسيرا حميدا كتقديم قرابين من البشر.
تبقى مشكلة الحالات التي يختلف حولها الناس وكل يدعي ان موقفه هو الصحيح . هل من إمكانية لفض هذا النزاع وإقناع الاخر بموقفنا والتخلي عن موقفه ؟ الامر قد لا يكون سهلا لاسباب معرفية وأسباب غير معرفية.
ان الأمور الأخلاقية ليست كالخيارات الذوقية ,انه من غير المناسب اذا اختار شخصا ان يأكل موزا بدلا من جوافة ان نلزمه باكل الجوافة ( والخيارات في هذا المجال قد تكون لها حدود وقد تكون لها قيود في الأحوال الصحية)
عودة للاجاية عن السؤال : ما هو الحجاج ضد النسبية المعيارية ؟
ما هي المسالك المتاحة لنا كمسلمين لاقناع الآخر؟
اعتقد انهما مسلكان:
1-الله امر ان تفعل او لاتفعل,
2-افعل او اترك لان هنالك حجة عقلية او تجريبية او وجدانية او غيرها تقتضي ذلك.
ان إقناعه بالمسلك الأول هو ببيان ان مصدر المر هو الله العليم الخبير والحكم الذي مصدره العليم الخبير ينبغي ان يطاع. وهذا يقتضي الايمان بوجود الله والايمان بصدق رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم
ان المسلم يعلم يقينا ان كل احكام دينه صحيحة ولكنه قد لايستطيع ان يقنع الآخر بذلك ولتقريب المعنى ان شخصا معينا يعلم يقينا انه لم يقم بقتل شخص ما ولكنه قد لا يستطيع اقناع السلطه بذلك ويعاقب على ذلك.المسلم يحاول اقناع الاخرين لان اقناعهم ممكن , وانه مامور بدعوتهم وجدالهم بالتي هي احسن وليس مسؤولا عن استجابتهم لدعوته ما دام اجتهد في ذلك . وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحزن لتكذيب الكفارله وعدم استجابتهم وياتي القرآن الكريم ويقول له ما عليك الا البلاغ وانك لاتهدي من أحببت وفي هذا سلوى له كبيرة ,وان شاء الله لكل داعية.
بعض أساليب وطرق الحجاج:
ان طرق الحجاج متعددة منها الاستنباطية ومنها الاستقرايئة, الطرق الاستنباطية نتائجها يقينية(ضرورية) مثالها كل عدد اولي لا يقبل القسمة الا على نفسه وواحد , العدد 19 لا يقبل القسمة الا على نفسه وواحد اذن العدد19 عدد اولي . اما النتيجة الاستقرائية فانها غيريقينية لانها قد تكذب , مثالها اعطي البندول لعلي واحمد وفاطمة … ومائة شخص فزال صداعهم اذن البندول يزيل الصداع .انه من المجرب ان مثل هذه النتيجة غير يقينية لانه قد يعطى البندول لشخص من غير المائة شخص فلا يزيل صداعه.
قد يتمنع شخص من قبول ما هو ناتج من حجة استقرائية لان نتيجتها قد تكون خاطئة . لكن هذا المسلك غير عقلاني, لان كل حياتنا تعتمد على هذا النوع من الاستنتاج-أي الاستقراء- وفي ذلك اعطى ابوحامد الغزالي مثالا طريفا حيث قال:اذا قيل لشخص سافر(اغترب) لتربح لان فلان سافر فربح وفلان سافر فربح وفلان سافر فربح فقال : لكن فلان سافر فمات في الطريق . قال الغزالي هذا الشخص لا فائدة في إعطائه دليلا لانه اما موسوس او جبان لان استقصاء اليقين في مثل هذه الأمور غير ممكن.
من ناحية أخرى هنالك من الفلاسفة من يطلب برهانا لامور لاينبغي طلب البرهان عيلها فلقد انشغلت الفلسفة الغربية بمحاولة الإجابة على أسئلة مثل: هل هنالك أشياء خارجية؟ وهل هنالك عقول للاخرين؟وكل الإجابات طعن فيها. ففي راي المعلق هذه الممارسة الفلسفية غير ذات جوى واهدار للجهد.
وهنلك طلب برهان الغرض من التعجيز واسبابه غيرمعرفية لان صاحبه ليس هدفه طالب برهان يمكن اذا اعطي له ان يغير موقفه ويستجيب . فقد طلب الكفار ان يروا الله جهرة وهؤلاء لاشئ يقنعهم لانهم يمكن ان ينكروا دليل المشاهدة حيث قالوا : انما سكرت ابصارونا ,اي انك سحرتنا لنرى ما نرى.
كما تجدر الاشارة الى انه ليست هنالك حجة مهما كانت قوتها تجعل كل سامع ان يعترف بصحة ما تدل عليه ولوانه لا يستطيع ان ينكر ذلك داخل نفسه (وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم).
ان كل ما قلناه لايمنع العقلاء من طلب وإعطاء الدليل والاقناع والاقتناع,
فما أنواع الحجاج التي يمكن استخدامها لكي نقنع الآخر؟ وما هي الموانع التي قد تفشل المحاولة؟
1-بيان ان الفعل له نتائج نافعة او ضارة , فمثلا اذا تبين ان الفعل يتسبب في إعاقة جسمانية او عقلية, والاعاقة الجسمانية او العقلية قد تعوق تحقيقه مقاصده وأهدافه, والامر يحتاج الى تفصيل وقد يحوي إشكالات.
2-ربط الفعل والسلوك بطبيعة الانسان وحاجياته: البيولوجية او النفسية اوالاجتماعية او الروحية او المعرفية او الذوقية. فطبيعة الانسان مثلا تقتضي الاكل والشرب والاجتماع بالخرين واعتقاد وممارسة حياة روحية وغيرها من الحاجيات فاذا لم يكن يرغب في ذلك يكون ذلك لسبب عارض ينبغي ان يزول,
3-الطلب منه ان يجرب ما نريده ان يفعله وقد يكون الطلب اشمل وهو ان يمارس نوعية حياة غير تلك الحياة التي يمارسها, فاذا جربها سيقتنع انها اكثر ثراء وجمالا وقيمة ومتعة.ويقول المتصوفة من ذاق عرف.وقال احد العباد لو علم الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف.
4-السلوك تقتضيه قيمة خلقية عليا ككرامة الانسان والعدالة والرحمة والمحبة والوفاء والصدق وغيرها.
5- ينبه الانسان ان المتعة والرضى لايتحقق بالاسمتاع الشخصي والاهتمام بالرغبات الشخصية
فقد تتحقق متعة اكبر بمساعدة الاخرين وإدخال السرورفي نفوسهم
6-الفعل الحسن يرضي الله سبحنه وتعالى الذي له صفات الكمال ويجلب محبته وثوابه الكبير من نعيم الجنة الذي لايتصور حسنه وجماله والذي يتمتع فيه المؤمن برؤية البارئ:الحق المطلق والخير المطلق والجمال المطلق.
عوائق الاستجابة لعمل الفعل الحسن:
هنالك عوائق معرفية:
1-محدودية وضعف العقل البشري.
2-قلة المعلومات التي يعتمد عليها قرار الفعل.
3-كثرة العوامل التي تؤثر في اتخاذ قرار الفعل بحيث تجعل القرار صعبا ومعقدا.
العوامل غير المعرفية:
1-ضعف الإرادة بحيث يعرف الانسان الفعل الصحيح ولكن تضعف ارادته عن القيام به .قديما قال سقرط الفضيلة علم والرذيلة جهل , وخالف سقرط ارسطوطاليس فقال يمكن للإنسان ان يعلم صحة الفعل ولكن تضعف ارادته فلا يقوم به . وعدد ابن القيم أسبابا كثيرة تعوق القيام بالفعل , منها :
أ-الضغوط الجتماعية:
#الخوف من مخالفة افراد المجتمع لانهم قد يبعدوه ويقاطعوه ويحاربوه ويحرموه من منافع كثيرة .
#الالفة والعادة والمنشأ والتربية, ومراعاة الأعراف والتقاليد.
#محبة الاهل والاقارب والعشيرة وظنه انه بفعله يسفه أحلام الإباء والاجداد.
2-العواطف غير العقلانية:
أ- خداع النفس و الكبرياء والحسد والرياء والعناد والطمع والجحود…..الخ
ب- الحيل المعرفية والفقهية عن طريقها تشوش الشهوة والرغبة على الجانب المعرفي والادراكي فتحسن له القبيح وتقبح له الحسن, هنا لا يشعر الانسان ان شهوته غلبت عليه ,فيكون في حالة خداع للنفس .
ج-عدم اعتبار نتائج الفعل البعيدة.
ان كثيرا من هذه العوائق تدخل تحت مفهوم التحيز.
كيف يمكن التغلب على هذه العوائق وعلى التحيزبحيث يكون الفعل الخلقي عادلا ومحايدا وسليما؟
يرى كانت انه اذا أراد شخص ان يفعل فعلا بحيث يكون هذا الفعل فعلا أخلاقيا ,ان يعتبر نفسه يشرع لكل الناس, فيحاول ان يعمم فعله هذا, بقوله لنفسه هل اقبل ان يفعل هذا الفعل كل شخص؟ مثلا اذا أراد ان يسرق او يقتل, انه سوف لا يقبل لان ذلك يعني انه سوف يسمح له بسرقته او قتله, فيمتنع عن الفعل.
هذا في الغالب لان بعض الأفعال التي يرضى الانسان ان فعلها كل الناس قد تكون غير حسنة. مشكلة معيار كانت انه المعيار الخلقي الوحيد عنده وانه لا يعطي اهتماما للمحتوى وانه معيار ذاتي ——
هذا المعيار يذكرنا بحادثة الشاب الذي جاء للرسول صلى الله عليه وسلم وطلب منه ان يسمح له بالزنا فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: اترضاه لامك قال:لا, قال له اترضاه لاختك قال: لا .فعدل الشاب عن ما يريد.هذا المعيار ينبغي ان يعتبر في اطار نظام الإسلام المتكامل.
وابتكر جون راولز احد فلاسفة الغرب الكبار,في كتابه:”نظرية في العدالة” للتغلب على مشكلة التحيز ما اسماه بستار الجهل—— اذا أراد شخص ان يقرر ان يفعل فعلا ,ينبغي ان يكون هذا الفعل تحت ستار الجهل, وهذا يعني ان يخفي ستار الجهل عن هذا الشخص معتقده ووضعه الاقتصادي والاجتماعي وذوقه ومصلحته وجنسه وجنسيته وتصوره للحياة , وكل ما اذا عرفه يجعله يتحيز. فاذا عرف مثلا الشخص انه عامل فقد يتحيز ويطالب بزيادة اجره , واذا عرف انه صاحب المصنع قد يتجه الى زيادة ربحه ويقلل من اجور العمال وهكذا.ويرى البعض ان يكون القرار صادرا من مراقب مثالي —– او جه لا مكان لها —— هذه الحلول قد تعتبرجيدة من الناحية النظرية, ولكن من الناحية الواقعية فان الذي يصدر القرارانسان من لحم ودم.
كيف يتعامل المنظور الإسلامي مع هذه المشكلة؟
ان احكام الدين تصدر من الله سبحانه وتعالى الذي ليس له مصلحة او غرض تعالى عن ذلك علوا كبيرا في إصدارها.
ولكن قد يتحيز المسلم في تمثل(اخذ الاحكام من النصوص) اواوفي تنفيذها وتنزيلها في الواقع.
ولكي نتجنب ذلك فقد نهانا القرآن الكريم عن التحيز واتباع الهوى,فقال تعالى:”ياايها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم والاقربين ” فالمصلحة والمحبة قد تكون سييا للتحيز. وقال صلى الله عليه وسلم ما معناه كان في الأمم قبلكم اذا سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد ,ثم قال: لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها, فالشرف والمكانة ينبغي ان لا تكون سببا للتحيز. كذلك لا ينبغي ان تكون العداوة سببا لعدم العدالة, يقول تعالى:”ولا يجرمنكم شنآن قوم الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى”
من ناحية أخرى قد حث الإسلام المسلمين ان يكونوا اخوة , بل حثهم ان يكونوا كالفرد الواحد والجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ,بل اثنى على الذين يؤثرون غيرهم على انفسهم. “ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة” هذه لي ليست شعارات فقد طبقها الاشعريون (كان الاشعريون اذا قل طعامهم جمعوا ما عندهم واقتسموه بينهم بالسوية) ومؤاخاة الأنصار للمهاجرين كانت مثلا رائعا للاخاء.وطبقها الصالحون في كل الازمان.
ولقد حذرالاسلام من الظلم اشد تحذير,فقال صلى الله عليه وسلم :الظلم ظلمات يوم القيامة ,وحذر المتخاصمين امام القاضي ان يدلوا بشهادة ياخذوا بها غير حقهم فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : قد يكون احدكم الحن بحجته فاقضي له فاذا قضيت له أكون قد قضيت له بقطعة من النار والعياذ بالله.
ان الحساب والعقاب يوم القيامة ينبغي ان يكون من اقوى عوامل الردع للمؤمن ,لكن بعض المسلمين لهم تصورات خاطئة عن الدين( بجانب الضعف البشري)
تكون السبب في عدم تاثير مبادئ الدين في سلوكهم فيقول احدهم عند اقتراف الذنب ان الله غفور رحيم لكنه ينبغي ان يعتبر بقوله تعالى انه العقاب شديد . نعم الغفران حقيقة في الدين وله وظيفة عظيمة فيه ,انه يعطي الامل للمذنب اذا تاب ان يغفر الله له فلا ييأس,يقول تعالى:” ان الله يغفر الذنوب جميعا”. الا ان يشرك به. والذنب يجعل المؤمن دائما مفتقر لله متذلل له وهذه ليست دعوة لارتكاب الذنب , والعياذ بالله, فقد قال صلى الله عليه وسلم لو لم تكونوا تذنبون فتستغفرون لاتى الله بقوم يذنبون فيستغفرون(والله اعلم).
وبعض المسلمين يقولون بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وهي حق ولاكنها الا باذنه سبحانه وتعالى . وبعضهم يقول بالقضاء والقدر ولكنه لا يقبل يوم القيامة الاحتجاج به والله ليس بظلام للعبيد فقد نفى الظلم عن نفسه.
وموجهات للتحلي بالسلوك الحسن والتغلب على الشهوات والعواطف غير العقلانية:
1-تامل جوانب الخير والمنفعة والقيمة في الفعل , فهي تعطيه دافعا للفعل الحسن.
2- أداء العبادات على وجهها الصحيح. فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر,والصوم وجاء,والزكاة والصدقة تزكي النفس,والحج تعارف بين المسلمين وتآلف,او هكذا ينبغي.
3-ان يتامل ثواب فعل الخيروعقاب فعل الشر.
4-مصاحبة الصالحين والخيرين.
5-من ناحية أخرى فان تعاون افراد المجتمع على فعل الخير والالتزام به يسهل فعل الفضيلة ويصعب فعل الرذيلة ,وهذا من طبائع البشر.”وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان”.
انه من الملاحظ في البيئات التي تلتزم مثلا بالصلاة في وقتها وترتب لذلك دون تضيق فان ذلك في مصلحة الكل وتعينه على نفسه. يدخل في ذلك الأمور التي غي نطاق القانون . فمثلا اذا كان القانون لا يسمح بالاستدانة بالربا فان ذلك يساعد الشخص على عدم الاستدانة بالربا , وخاصة اذا كان للمجتمع بدائل مشروعة كالقرض الحسن.ومن الملاحظ أيضا اذا كان يلعبون لعبا يعتبر مباحا واغلبهم لا يلتزمون بالصلاة في وقتها قد يجاريهم من يصليها في وقتها. والعكس قد يحدث لمن لا يلتزم في جماعة ملتزمة وليس بالضرورة في هذا رياء وليس القانون والتقاليد دائما آلة قمع.
ان سلوك الحسن يتحكم فيه عاملان:الاخلاق والقناعة الشخصية , والقانون ولا يكفي وجود احدهما في المجتمع.
فاقصى ما قد يحققه القانون هوالعدالة, اذا لم يتمكن البعض على التحايل عليه, واذا لم يكن لبعضهم نفوذا وقوة لا تجعله يطبق عليهم.
المجتمع الخير يحتاج ان تكون فيه قيمة الفضل والعفو والتسامح. ولابديل لها في مجتمع رشيد. وبدون هذه القيم يصير المجتمع كانه محكمة كبرى او دولة بوليسية ومكانا جافا وصعبا. يقول تعالى :”ولا تنسو الفضل بينكم” ويقول الله تعالى”والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ” “ومن عفا واصلح فاجره على الله” “والصلح خير”
6-وأخيرا ينبغي الاشا رة الى اهم العوامل التي تعين على فعل الخيروهي:
المجاهدة والصبر على الطاعات والصبر على ترك المعاصي.ومراقبة النفس ومحاسبتها.
والدعاء.
الحلقة الرابعة
الحرية:
اللهم اشرح لي صدري ويسر لي امري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.
سنتناول في هذه الحلقة مفهوم الحرية وقضاياها العامة بايجاز.
(ونرجئ الحديث عن قضايا الحرية المثارة في البرنامج للحلقة الأخيرة القادمة ان شاء الله )
مفهوم الحرية:
ان مبدأ الحرية لقي اهتماما وانتشاراوقبولا واسعا في هذا العصر. ويكاد يكون الايمان بهذا المبدأ هو العقيدة الأساس للغربيين ,ويحلو لهم ان يسموا عالمهم بالعالم الحر ومجتمعهم بالمجتمع المفتوح.
ولكن للأسف الشديد لم يكن الغرب ملتزما تمام الالتزام بمبأ الحرية كمبدأ انساني وكالتزام في علاقته مع الاخر اوقل خارج القبيلة.
فقد مارس الغرب الاستعمار بشتى انواعه: من استيطان في الدول المستعمرة ومن إبادة للسكان الأصليين.
وفي الوقت الحاضرساندت الدول الغربية
الانظمة الاستبدادية والقمعية والظالمة . ومارست الاستغلال وغلبت المصالح على المبادئ (مبادئ الحرية والعدالة ).
ولكن قد يقال انها تمارس مبادئ الحرية والعدالة والديمفراطية وحكم القانون داخل بلدانها(بالرغم من ان هذا لايكفي) فان ذلك ميزة حسنة لتلك البلدان,مقارنة بانظمة بلادنا ودولنا التي تفتقر افتقارا شديدا لهذه المبادئ وتطبيقها.
لكن نكرر اسفنا فقد حدثت انتكاسة أيضا في تطبيق هذه المبادئ في داخل تلك الدول, فصار هنالك تمييزا ظاهرا ومبطنا بين المواطن الاروبي (الأصلي) والمواطن المسلم. ولم تعد الدولة ملتزمة كما كانت بالعلمانية. فقد منعت بعض البلدان الحجاب بحجج ضعيفة وباطلة. فقالوا: انها شعار سياسي.كونها شعارا سيسيا هذا حدث بالعرض.لان هذا اللبس يعتبره المسلمون تطبيقا لدينهم.
لم يعجب قرار منع الحجاب المفكر برهان غليون وهو احد كباردعاة العلمانية في عالمنا العربي فقال: ان المسيحيين يلبسون الصليب في رقابهم فدعى المسلمين الى لبس مصحفا صغيرا في رقابهم. ولكن كما اسلفنا الذكر فان لبس الحجاب في الاصل واجب ديني وليس شعارا.
قال بعض قادة أحزاب يمينية صار لها وزن في البلدان الاروبية صراحة ان المسلمين يهددون الثقافة الاروبية وأسلوب حياتها , ولم يقولوا يهددون العلمانية او الديمقراطية. هذا الاتجاه في نمو متزايد ,وتجاريه الأحزاب الأكثر اعتدالا لتكسب أصوات الناخب.
انظر الى الأمم المتحدة وانعدام الديمقراطية فيها وهيمنت الدول الكبرى عليها ومحاولة دول ديمقراطية مثل ماليزيا وتركيا تغيير الوضع ولكن دون جدوى.
وانظر الى المحاكم الدولية التي شعارها اذا سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد.
ان العلم الحرؤ يحترم القوي والدولة ذات القوة العسكرية والاقتصادية . هذه الدول تحترم وتفاوض وتساوم اما الضعيفة فعليها الطاعة.
لا ينبغي ان تعتبر هذه الحقائق مبررا لاوضاعنا,فما جعلنا نستغل ونستعمرهو قابليتنا للاستعمار وضعفنا الداخلي وتكالبنا على المكاسب الرخيصة.
لتكن لنا أنظمة حكم رشيدة وعادلة وتحترم الانسان والحرية, ولتكن لنا قوة علمية وتكنولوجية وعسكرية واقتصادية وإعلامية, بهذا نحافظ على بقائنا ومقدراتنا وثرواتنا وقيمنا وكرامتنا وأسلوب حياتنا والا فرضت علينا قيم الاخروتم استغلالنا ونهب ثروتنا.
ان اكتساب هذه القدرات ليس بالامر السهل ولكنه ممكن وليس مستحيلا.
هنالك ملاحظتان ينبغي الإشارة اليهما:
الأولى بالرغم من ان تردي اوضاعنا- عكس ما يردد البعض- لنا الحق في نقد الأنظمة الغربية, والتطلع الى تحقيق نظام افضل من نظمها,وهذا امر ينبغي ان يكون بديها.
الثانية هي ان هنالك افرادا وتيرات في الغرب تساند قضايا التحرر والعدالة ولكن الصوت العالي والنافذ هو الصوت الذي اشرنا اليه.
بالرغم مما ذكرنا من سلبيات كبيرة في ممارسة الحرية في الغرب , فان الفكر الغربي هو الفكر السائد اليوم. لذا سنتتبع المفهوم ودلالاته في هذا الفكر.
القول بالحرية الشخصية, وهي التي تعنينا في السياق الذي نتحدث فيه, يرجع الى الفيلسوف جون استيورت مل ومن سار على نهجه من المفكرين المعاصرين أمثال ايزيا برلين وهارت.
قال : مل في مقال بعنوان:”الحرية” للفرد حق السلوك كما يريد لكن بقيد واحد وهو ان لا يضر بالاخرين.ولا يحق لاحد ان يفرض عليه سلوكا بقوة القانون بحجة ان ذلك السلوك يؤدي الى مصلحته او الى سعادته. واذا فعل ذلك يكون قد تعدى على حريته.
على أساس هذا المبدأ أجاز البرلمان البريطاني توصية تقريرولفيندن فسمح بممارسة الشذوذ الجنسي ,بشرط ان يكون بين شخصين بالغين وبالتراضي بينهما وفي الخفاء.
وتم التمييزبين الحرية الإيجابية والحرية السلبية. الحرية السلبية تعني ان تتوفر للإنسان الحرية في الفعل والقول ولا يقوم الاخر بالتدخل في شئونه.فالحرية السلبية تقوم على عدم التدخل ,والحرية اليجابية ننحقق عندما يكون الانسان سيد ذاته وان يسيطر ويتحكم فيما يفعل . والحق الإيجابي ان يكون للاخر واجب التزام بفعل شيء لمن له حق إيجابي ,والسلبي التزام الاخربالامتناع عن فعل حياله .مثال الحق (الحرية) اليجابي الخدمة الصحية ومثال الحق السلبي ان يكون للشخص المريض الحق والحرية في رفض عملية جراحية.
وثار جدل بين المفكرين والفلاسفة حول السلوك الذي ينبغي ان يعاقب عليه القانون وكان حول هل يعاقب:
1-من يمتنع عن الأفعال التي تفيد الاخرين.
2-الأفعال التي تلحق الضرر بالاخرين.
3- الأفعال التي تلحق الضرر بالنفس.
4- الأفعال التي تسيئ للاخرين.
5-الأفعال التي يرى الاخرون انها غير أخلاقية.
قيل ينبغي ان يوصل الشخص المنفعة لمن لديه مسؤولية خاصة نحوهم والذين يعتمدون عليه,كالوالد فهولديه مسؤولية خاصة لاطعام اطفاله ورعايتهم.وواجبه نحوهم يصل لحد السؤولية الجنائية.
وقالوا ان هنالك واجبات للمواطن يتم فرضها بقوة القانون:
كاداء الشهادة
ودفع الضرائب
وأداء الخدمة العسكرية.
وينبغي ان يعاقب الشخص الذي يلحق الضرر بالاخرين كقتلهم وسرقة أموالهم وغيرها من الوان الضرر.
وتساءلوا هل يمنع الفعل الذي يلحق الضرر بالنفس؟ انه حسب مبدا مل ينبغي ان لا يمنع. ولكنهم استثنوا من ذلك الذي يلحق الضرر بنفسه وهوحالة عدم وعي وفقدان للعقل.وراى اخرون يمنع من الفعل اذا كان الفعل يحدث له إعاقة جسدية او عقلية لان هذه الإعاقة تحول بينه وبين تحقيق أهدافه ومقاصده . وهذا النوع من المنع فيه اشكال خاص بتحديد نوع الإعاقة وقدرها. لان هنالك افعالا تحدث إعاقة جسدية او فكرية كالخمر و حسب الأعراف السائدة في الغرب وأماكن أخرى لاتمنع.
ولكن الاشكال الحقيقي لليبراليين ,الذين يجعلون معيار الفعل او عدمه مبدأ مل, ان الدول الغربية صارت تمنع وتعاقب الذي لا يربط الحزام في السيارة بالرغم من ان الذي لا يربطه لا يضر الا نفسه . فاذا قالوا انه يحتمل ان يلحق ضررا بنفسه في حالة ان صدم شيء فانه يقال لهم ان الذي يشرب الخمر فانه محتمل ان يدمن فاذا ادمن فانه قد تصبه امراض وقد يحتاج الى علاج الإدمان فيكلف الدولة والمواطن كثيرا .وقد يهمل اسرته واطفاله فيلحق ذلك بهم ضررا.
يبدو ان المجتمعات الغربية لا تمنع شرب الخمرلان شربها متجذر في ثقافتهم وتقاليدهم ومجتمعاتهم واعتاد الناس على شربها وصارت جزء من حياتهم.ولو كانت ظاهرة جديدة لكان الاحتما ل كبيرا منعها.
ومثال اخر :بالرغم من ان بيع السلاح بدون ضوابط مرضية في الولايات المتحدة يحدث اضرار بالغة في المجتمع الأمريكي وبالرغم من ان الأطفال خرجوا في مسيرات احتجاج بفطرتهم لتقييد بيعه لما لحقهم من اذى من امتلاك زملائهم الأطفال له. فامريكا الى اليوم لم تضع ضوابط مقبولة لبيعه.
قد يكون السبب في عدم تقييد بيع السلاح نفوز صانعي السلاح اوسبب اخر.وسبب هذا الاضطراب في اصدار القوانين والتشريعات –كما تقدم- هو ان المشرع هوالانسان ذو الرغبات والشهوات, والذي يصعب عليه ان لا يتحيز في اصدار القرار.
وقد يتدخل القانون لمنع سلوك يسئ للاخرين, كممارسة الفاحشة علنا. ومفهوم الإساءة للاخرين يحتاج الى ضبط , لانه قد يقال يستاء افراد مجتمع ما لممارسة البعض أمورا تخص ثقافتهم ودينهم وانه من حق المجتمع الحفاظ على مظهره وثقافنه.
هذه تناقضات تحدث في مجتمع متعدد الثقافات. فمثلا لم يرض مسلمو اروبا عندما منع الحجاب ومآذن المساجد من الجانب الاخر فقد كانت حجة المنع المحافظة على الثقافة والمظهر العام للمجتمعات الاروبية.
يجب الامتناع عن الأفعال التي يعتبرها الاخرون غير أخلاقية.
لان اقتراف فعل غير أخلاقي قد يضعف شعور الالتزام بالاخلاق واهميتها وهذا بدوره قد يهدد كيان المجتمع.
ان الفعل غير الأخلاقي اذا صاحبه منع قانوني فان ذلك يمثل ادانة قوية للفعل ويقوي الشعور بانه ينبغي تجنبه والتقيد بعدم فعله. هذا التقيد ليس فقط خوفا من العقوبة ولكن المنع القانوني يخلق شعورا بفداحة اقتراف الفعل.
ان من الأفعال غير الأخلاقية والاشد قبحا والتي ينبغي ان يعاقب القانون مرتكبها ممارسة الجنس مع الحيوان, ومنع الممارسة ليس بسبب ان الممارسة تلحق ضررا بالحيوان بل لانها قبيحة.
لماذا نجاري هذا التردي والانحطاط :من ممارسة الشذوذ الجنسي والممارسات القبيحة الأخرى التي لا تقف عند حدود ما دام القيمة العليا هي اعطاء الفرد الحرية فيما يريد ان يفعل. وهنالك اتجاه لتمرير قوانين تبيح هذه الممارسات في مجتمعاتنا بحجةمنح الافراد الحريات وبحجة حقوق الانسان.
لقد شاهدت مؤخرا في فضاية غربية شخصا يدافع عن حق المرأة ان تمارس الجنس مع كلبها وكان هنالك حضورا كثيفا في البرنامج من المشاهدين. وسمعت ان احدهم تزوج خروفا .
لقد كرم الله سبحانه وتعالى الانسان:”ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر “.
التكريم ليس فقط بمنحه الحرية التكريم أيضا بان جعله مسؤولا,فينبغي ان يبرهن انه جدير بالحرية والمسؤولية.
كيف يقبل من كرم ان يهبط بحياته ويحط من قيمتها ويفعل التافه والقبيح وما هو خبيث ونجس ورجس ,واذا لم يفعل ينبغي للاخرين ان يساعدوه في فعل ما طيب وحسن وجميل وطاهر وما له قيمة.
يقول تعالى:”انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه” ويقول تعالى:”هل يستوي الخبيث والطيب ولو اعجبك كثرة الخبيث” ويقول تعالى:”ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث”
ويقول تعالى:”يسألونك ماذا احل لهم قل احل لكم الطيبات”
المجتمع قد تسود فيه القيم القبيحة والمنحطة والخبيثة وتعتبر هي المفضلة وغيرها الشاذة وغير المرغوب فيها. هؤلاء قوم لوط يقولون :”اخرجوا ال لوط انهم أناس يتطهرون” فنزل بهم العقاب.
ما لنا وممارساتهم, نخاطب من ظلت معه فطرته فالبعض يستجيبون . ومن لا يستجيب نقول له لك طريقتك ودينك ولنا طريقتنا وديننا.
نود ان نشير الى النقد الذي وجه لمبدأ الحرية الذي يقوم على مبدا السيادة على الذات (ينبغي ان يكون واضحا ان مبدا الحرية له قيمة كبرى وعظيمة ولكن حديثنا خاص بوضع حدود مرضبة للحرية والتنبيه الى ان هنالك قيما أخرى بجانب قيمة الحرية) فقد انتقد هذا المبدأ على أساس انه لا يعبر عن طبيعة الانسان , وانه لا تتحقق به ذاته . وانه في الحقيقة جاء داعما للراسمالية وتحسينا لصورتها, ويقوم على أساس انانية الفرد ومصلحته الخاصة , ويقوم على الفردية.
من ناحية أخرى فان قيمة الحرية بمعنى السيادة على الذات تقابلها قيم أخرى كالقيمة المجتمعية وقيمة الاتقان. وان السيادة على الذات لاتحقق الا بالحرية الايجابية , وانها لا تتحقق الا في حياة مجتمعية.
بالإضافة الى ذلك فان هنالك قيما أخرى منها مستوى الحياة المعيشية والامن, وهي قيم منفصلة عن الحرية.
من ناحية أخرى فان للحرية شروطا اجتماعية ينبغي ان تتحقق حتى تصيرعاملا فعالا للنماء والاذدهار والتنافس, ومن ضمن هذه الشروط وجود الاسرة والحياة الاجتماعية. فالاسرة والحياة الاجتماعية توسع من خيارات الفرد وتعطيه فرصةاكبر لتحقيق حريته . ان استقرار المجتمعات الغربية لم يكن بسبب حرية المواطنة بل بسبب الثقافة والانتماء. واستعداد الذي ينتمي بسبب المواطنة اقل قدرا من المنتمي وطنيا وثقافيا.
ان الفرد لا يهمه فقط تحقيق اجندته وغاياته الشخصية ,انه يهمه أيضا تحقيق اجندة وغايات المجتمع الذي ينتمي اليه .يقول “راز” ان من واجب الاخرين ان يساعدوا الانسان لتحقيق حريات إيجابية
(معارف, مهارات , إمكانات ….الخ).
ويقول ما الفائدة من ان يتمكن الانسان من فعله والنتيجة حياة تافهة وضارة وقبيحة ومتدنية.(سنعطي مثالا فيما بعد يبين هذه الحجة القوية ضد الحرية كمبدأ احادي).
يقول اسكنر لقد اهمل برلين دور الحرية الإيجابية في دعم الحرية السلبية.وقال: ان الديمقراطية التي نعتمد ونثق فيها على الاخرين تجعل حريتنا في خطورة,ويقول: ينبغي ان نكون مواطنين نشطين لكي نضمن حريتنا وينبغي للمواطن ان تكون له مجموعة من الحقوق لكي يحمي ويطور حق الحرية السلبية.
يقول امرتاي صن: عندما يقال ان نوعية الحياة تقاس بدخل الفرد ,نود ان نعرف ماذا حقق الفرد بهذا الدخل. لكي نقيم نوعية حياته نود ان نعرف طول حياته التي يتوقعها,وما هي الخدمات التي تقدم اليه كالتعليم ونوعيته. هل يطور من المتعلم ام لا؟ وهل يتمتع الفرد بالكرامة؟ وهل علاقته بمخدمه كريمة؟ وما هي الحقوق القانونية المكفولة له والحريات العامة والخاصة المتاحة له؟ وما هي علاقته باسرته؟ وهل يشعر افراد اسرته بالحب والشكر لبعضهم البعض.
بعض القائلين بالحرية لايهتمون بمحتوى حياة الانسان وامر نوع الحياة متروك لخيار الشخص .
ان امرتاي صن يقول ان هنالك معايير ينبغي ان تتوفر حتى تكون نوعية الحياة مرضية. وانتقد امرتاي المعيار الاقتصادي الذي يقيس نوعية حياة الحياة بدخل الفرد.ان المعايير التي أعطاها بالرغم من انها افضل من المعيار الاقتصادي الا ان معظمها اداتية ولا تحدد نوعية الحياة , فمثلا معيار توقع طول الحياة ,فقد يتساءل الانسان ماذا يفعل الانسان بحياته ولو كانت طويلة؟ وقال ينبغي ان يطور التعليم حياة الفرد .ماذا يعنى هذا التطور وما محتواه؟ وقوله ينبغي منحهه حقوق قانونية وحريات عامة وخاصة ذات نوعية معينة يحتاج الى تحديد والمهم ماذا يفعل بها وكيف يستثمرها وكيف بؤدي بها الأفعال الحسنة المرضية .
ان معيار راز في راي المعلق افضل من معيار امرتاي صن لانه يقصي الممارسات غير الحسنة ولكنه لا يقول شيء عن الأشياء الحسنة . وعادة ما يتجنب كثير من مفكري وفلاسفة الغرب الحديث عن الخيارات الحسنة.
فيما يلي مثال لممارسة غير حسنة لافراد منحواالحرية:
نفرض ان مجموعة منحت الحرية للفعل فاختارت ان تقضي وقتها كله في تناول مخدرخفيف
(مسموح به قانونا) لا ياكلون القليلا ولا يتحدثون مع بعضهم البعض ولا يقومون بنشاط اخر غير تناول هذا المخدر.
قارن هذه الحياة بنوعية حياة أخرى أصحابها لهم أنشطة متعددة : افرادها ينفقون وقتا في كسب المعرفة وتذوق الاداب والفنون ويقومون بنشاطات روحية وعبادة ورياضة وسياحة ولهم اسر تتمتع بعلاقات حسنة وجميلة فيما بين افرادها وقومون بكل نشاط يثري الحياة ويحعلها اكثر خصوبة وجمالا.
وأخيرا نود ان نختم هذه الحلقة بالحديث عن كيفية اصدار قانون في المجتمعات الغربية يمنع ممارسة معينة.
(لأننا نحتاج الى هذه المادة في الحلقة القادمة).
يصدر قانون لمنع ممارسة معينة من خلال كيانات تشريعية , ومن المفترض ان تمثل هذه الكيانات راي المواطن الذي ينتخب الهيئات التشريعية . ولكن قبل ان يصدر البرلمان مثلاقرارا ,فان القضية تعرض على لجنة مختصة كلجنة ولفيندن او لجنة وليمس, فتعطي تقريرا مصحوبا بتوصية يناقشها البرلمان ثم يصدر قرارا.ومثل هذه اللجان عادة تتكون من الاختصاصيين والخبراء في المجال المعين, فلجنة النظر في السماح بنشر المادة الفاضحة او عدم نشرها كان يراسها الفيلسوف برنارد وليمس بجامة لندن لان الامر يختص بالاخلاق. ومثل هذه اللجان عادة تضم اخنصاصيين في مجالات ذات صلة بالموضوع قيد البحث
.
الحلقة الخامسة (والأخيرة)
قضايا البرنامج:
1-اللبس
2-التحرش
3- جملة من قوانين الأحوال الشخصية.
قال القراي: قالت وئام : المتحرش هو المريض وليست المراة التي تلبس ما تراه مناسبا,وان زيها من حقها ان تختاره ,ولا يفرض عليها أي زي باعتبار انه الشريعة.
قول وئام انه لا ينبغي ان يتحرش بها احد مهما كان نوع لبسها صحيح, لان التحرش في ذاته خطأ,ولكن قولها من حقها ان تختار زيها ,ولا يفرض عليها أي زي باعتبار انه الشريعة قول غير سليم لان ما يفرضه الدين ينبغي ان يتبع.
ينبغي في هذا الموضع التمييز بين خمسة اقوال ومواقف :
1-الدين لايوجب أي نوع معين من اللبس ,ويسمح باي نوع من اللبس.
2-أنواع اللبس التي حددها العلماء مثلا ان يغطي اللبس كل الجسم الا الوجه والكفين او ان يغطي كل الجسم غير صحيح. وانا أرى ان اللبس الذي اوجبه الدين هو كذا وكذا.
3-هذا اللبس حسب نصوص الدين غير مسموح به وانا اقر انه ينبغي ان لا يكون مسموح به, ولكن نفسي لا تطاوعني ان التزم به.
4-هذا اللبس حسب نصوص الدين غير مسموح به ,وانا أقول لا ينبغي ان يكون غير مسموح به.
5-مرجعية اللبس مبهمة أو خلط بين مرجعيات.
اذا قالت البنت ان الدين لا يوجب أي نوع من اللبس , فان صحة قولها هذا او عدم صحته يقاس بالنصوص الدينية. والواضح ان النصوص الدينية توجب نوع معين من اللبس.
اما اذا قالت ان اللبس الذي حدده العلماء مثلا :ان تغطي كل جسدها او تغطي كل جسدها الا الوجه والكفين غير صحيح وانها ترى ان اللبس ينبغي ان يكون كذا و كذا,فان صحة قولها هذا او عدم صحته يقاس أيضا بالنصوص الدينية ,أي عليها أن تأتي بالدليل بنص شرعي.
ان حالة خلط المرجعيات ,قد يكون سببها ان البنت قد تكون تعودت على التفكير غير المنضبط وغير المتسق وغير الحذر.نحن المسلمون دون ان نشعر قد نخلط بين المرجعية الإسلامية والعادات والتقاليد ومبادئ الفكر الليبرالي وغيرها من المرجعيات . ومن الامثلة الصارخة حول هذا الخلط ما كانت تقوله بعض النساء السودانيات قديما:” اعوذ بالله من الدجاجة العوعاية (التي تصيح كصياح الديك ) والفتاة الصلاية” وقول احدهم اذا سمع اخر يقول: نود ان نحكم الشريعة الإسلامية, يقول له (مستنكرا) اتودون ان تقطعوا ايدي الناس.
هنالك جو قد يخلقه عدم الالتزام بمبادئ الدين ككثرة الكذب في المعملات خاصة التجارية منها والنميمة فيحدث ذلك لا مبلاة بكثير من أمور الدين.
من ناحية اخري اذا كانت جماعة من الجماعات تدعو المسلمين لامر من أمور الدين وهذا الامر مامور به حسب نصوص الدين , فانه من الغريب ان بعض الناس الذين لهم عداوة مع الجماعة التي تدعو له يميلون الى عدم الالتزام به. هذا الوضع يحتاج الى جهود تعليمية وتثقيفية بين المسلمين بحقائق الدين ,والتمييز بين الذين يدعون للدين والدين.
كما تجدر الإشارة الى ان المسلم قد تكون لديه مشاعرورغبة لعدم الالتزام باحكام الدين. مثال ذلك الشاب الذي طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم ان يسمح له بالزنا .فاستخدم الرسول صلى الله عليه وسلم معه حجة أخلاقية (تعرف بالقانون الأخلاقي الذهبي), فقال له اترضاه لامك؟ قال الشاب: لا. قال الرسول صلى الله عليه وسلم اترضاه لاختك؟ قال الشاب: لا.فاقتنع الشاب وتخلى عن الطلب.
يقول تعالى:” وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم”
فالمؤمن في بعض الأحيان قد يود ان يجاري الناس في امر يخالف امرا من أمور الدين , وقد يكون ذلك بدافع ترغيبهم في الدين. فنهينا عن الركون لما يريدون . والله سبحانه وتعالى ثبت الرسول صلى الله عليه وسلم من هذا الركون. يقول الله تعالى :” ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا، إذن لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا” .وفي هذا تحذير قوي لنا للاستجابة لدعوى تخالف الدين.
وفيما يلي محاولة للمعلق لاقناع الفتاة التي هي في وضع متأرجح بين المرجعيات. فاذا افترضنا انها تعتمد على المرجعية الإسلامية فان ذلك يقتضي ان تلتزم باللبس الذي تحدده النصوص الشرعية للاسلام.
واذا افترضنا انها تأخذ بالمرجعية الليبرالية ,يمكن ان نحاول استخدام ثلاثة حجج معها ,لعلها تنجح في اقناعها:
1-النظام الليبرالي قد يلزمك باللبس الإسلامي (قد يبدو هذا غريبا).
2-اذا اردت التقليل من التحرش بك فالتزمي باللبس الإسلامي.
3-اللبس غير الإسلامي قد يكون فيه إساءة للاخرين.
بالنسبة للحجة الأولى اذا حدث ان ذهبت البنت اليوم الى إنجلترا مثلا فانه يمكنها ان تلبس ما تشاء ولا احد يعترضها ولا قانون يمنعها بشرط ان لا تكون متعرية تماما (اوانه قد يتحرش بها ).
ولكن اذا قرر البرلمان الإنجليزي واصدر قانونا فحواه ان المراة ينبغي ان تلبس ما يغطي كل جسمها او ما يغطي كل جسمها الا الوجه والكفين , فاذا خالفت المراة هذا القانون ستعرض نفسها للعقاب.
بالنسبة للحجة الثانية يمكن القول للبنت : اذا اردت ان تقللي من إمكانية التحرش بك فلا تلبسي مايثير شهوة الرجل فيقوم بالتحرش بك (طبعا يمكن ان يتحرش الرجل بالمراة دون ان يكون لبسها متعريا او مثيرا للشهوة ).
والجدير بالذكر ان ظاهرة التحرش ظاهرة منتشرة في الغرب ويمارسها رجال في اعلى المستويات, بالرغم من ان الثقافة الغربية تسمح بعلاقات جنسية خارج الزواج.
يقول المراقبون في الغرب ان من أهم أسباب التحرش لبس المراة المثير للشهوة.
الحجة الثالثة هي ان اللبس المتعري قد يسئ للاخرين من افراد المجتمع ,خاصة فانه قد يؤذي الابوين والاخوة ويدخلهم في حرج وضيق، فتقديرا لمشاعرهم فانه من الأفضل عدم لبس المتعري (طبعا ليس بالضرورة ان يتاذي الابوين من اللبس المتعري ).
ويمكن ان يقال لها ان لبسك يؤذي الاخرين، وما يؤذي الناس في السودان قد لا يؤذي الناس في إنجلترا, وقد يعتبره البعض اضعافا للنسيج الأخلاقي في المجتمع وبذلك اضعافا للمجتمع نفسه.ومن حق المجتمع الحفاظ على مظهره وثقافته وقيمه.( قالت جماعات ذات وزن سياسي كبير وفي نمو متزايد في البلدان الاروبية صراحة: ان المسلمين يهددون الثقافة الاروبية وأسلوب حياتها التي يجب المحافظة عليها ، ولم يقولوا أن المسلمين يهددون العلمانية او الديمقراطية أو الحرية).
اما اذا قالت البنت اني اقر ان هذا اللبس حسب نصوص الدين واجب الالتزام به ولكن نفسي لا تطاوعني على الالتزام بلبسه.هنا قد يحاول الشخص معها بعض المعالجات بامل ان تجعلها تلبس اللبس الشرعي, وليس هنالك ضمان لنجاح تلك المعالجات. فيمكن ان يسالها لماذا نفسك لا تطاوعك ؟ قد تكون الإجابة لانه تمارس علي ضغوط من زميلاتي او اهلي ويعتبرونني متشددة ومتطرفة او متخلتفة. في هذه الحالة يمكن القول لها: لقد كان لوقت قريب تمارس ضغوط كبيرة على المراة التي تلتزم بالحجاب (تغطية الجسد عدا الوجه والكفين) , ولكن بالتزام كثير من النساء بهذا اللبس خفت الضغوط كثيرا على التي تلبسه , ولعله يأتي اليوم الذي يحدث فيه العكس فيمارس ضغط على التي لا تلبسه . اما اذا كانت تلك الضغوط ما زالت تمارس عليها,فانه يمكن القول لها : انه من المجرب ان المراة اذا تمسكت بهذا اللبس وصبرت على ما تلاقيه من مضايقات من جراء لبسه,فان من المتوقع ان يتعود الاخرون تدريجيا على سلوكها ويقبلونه.
اما اذا قالت البنت انا اعتبر هذا لبسا جميلا وانا احبه. وانها تريد ان تظهر زينتها وحليها وفستانها الجميل فيصبح الحجاج صعبا معها لانه يصير حجاج مغالبة الهوى، ولكن بالرغم من ذلك يمكن ذكر الحجج سالفة الذكر: حجة منع التحرش وحجة عدم الإساءة للاخرين.
ويمكن سؤالها لمن تريدين ان تظهري زينتك؟
لغير زوجك اذا كنت متزوجة!
للنساء .
للشباب بغرض ان يعجب بك احدهم فيطلب الزواج منك.
او لغرض اخر غير شريف!
لكل الناس دون تمييز.
لا لاحد انا احب ذلك.
الاجابة الأخيرة قد لا تكون حقيقية لان الانسان مخلوق اجتماعي فتمركز كل الدافع في الذات امر غيرطبيعي.
دعونا نترك المعاجات لهذه الاحتمالات لحوار بين البنت والذي يريد اقناعها، فهي منطقه حسب راي المعلق مائعة. ولكن ملاذنا القوي في المعالجة إن شاء الله هو اللجوء الى المعالجة الدينية وهي ان الله قد امر به (ليرجع القارئ الى موانع الاقتناع المعرفية وغير المعرفية) .فلتتامل البنت ما يمكن ان تكون الحكمة من وراء الامر ولقد سبقت بعض الإشارات الى ذلك والى الثواب والعقاب المترتب على الفعل او عدمه , ولكن لا يتم الامتثال الى امر الله بهذه القناعة فقط , فينبغي مغالبة الرغبة والشهوة وذلك بالمجاهدة والتعود والدعاء وغيرها من الأساليب التي اشرنا اليها سابقا.
ولنا تعليق موجز عن القراي عندما اورد قول وئام: ان زيها من حقها ان تختاره ولا يفرض عليها أي زي باعتبارانه الشريعة . فنبهها القراي ان تميز بين الدين الكامل واراء العلماء, وقال ان وئام صغيرة تحتاج ان تتعلم وتقرا.
لا اعتقد ان وئام تنتمي للجمهوريين حتى تساوي بين اراء العلماء والشريعة,فاغلب الظن عندما تحدثت عن الشريعة فهي تعني الدين.وكان من الأفضل وقد يكون من الواجب ان ينبه وئام الى انه ليس للمراة المسلمة ان تختار لبسا يخالف اللبس الشرعي بمعنى ان تعتقد انه لا ينبغي الالتزام باللبس الشرعي. وهذا امرمهم وليس من الصعب عليها ادراكهه اذانبهت اليه.
العصمة:
كنت اود ان أقول شيئا عن العصمة, ولكن كفاني الحديث عنها ما قراته من كلام جيد لفقهاء وقانونيين في التواصل الاجتماعي. ولكن لي تعليق موجز في هذه المسالة .
أولا: لقد استعان القراي في تأييد رأيه في العصمة برأي الحنفية, أي برأي في اطار “الشريعة”.
الامر الثاني ان طلب المراة العروس في ساعة العقد ان يكون لها الحق في مفارقة العريس , طلب غير طبيعي في هذه اللحظة التي هي لحظة فرح ومحبة وامل في استمرار العلاقة الزوجية.فطلب العروس ان تعطى الحق في هذه اللحظة لفراق العريس قد لا يرضي العريس.
ومن تقاليد المسيحيين في عقد الزواج قولهم –في صيغة العقد- انه لا يفرق الزوجان الا الموت
(Till Death Do Us Part ) ( وعندما جربوا اكتشفوا ان ذلك غير ممكن في كل الأحوال فسمحوا بالطلاق).
ان الرجل تلقائيا اعطي الحق في ان يطلق المراة, ولكن لو افترضنا انه ينبغي ان يطلب إمكانية الطلاق ساعة عقد القران لكان ذلك ايضا غير مناسب. وعلى اية حال للمراة الحق في طلب مفارقة زوجها امام القاضي وفي هذا مصلحة تقليل نسبة الطلاق والإسلام لا يفضل الطلاق والقرآن يقول:” وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم”
هنالك دراسة تقول قد تصير الحياة بين الزوج والزوجة غير مرضية وقد يفكر الزوج او الزوجة في فراق الاخرولكن قد يعدلان لان احدهما قد يعتقد اذا حدث الفراق فان الاخرقد لا يستطيع الحياة بطريقة مرضية وتكون حياته او حياتها اصعب. يقول الله تعالى :” وجعل بينكم مودة ورحمة”.
ومثل هذه الحجج يستخدمها القرآن الكريم ومن امثلة ذلك تحريم الخمر. هذا المسلك يواجه عوائق وهنا قد يحسن بنا ان نذكر أسباب الاعتقاد الخطأ والسلوك الخطأ:
1-قد يكون سببه الجهل.
2-وقد يكون سببه على الرغم من معرفة الانسان ما هو صحيح ضعف الإرادة كما قال ارسطوطاليس اولتاثيرعواطف غير عقلانية عليه كخداع النفس والكبرياء والعناد والمصلحة الضيقة والعداوة والحسد والتحيز وغيرها كما قال كثير من علماء المسلمين عكس ما قاله سقراط حيث قال الفضيلة علم والرزيلة جهل (اختار المعلق راي ارسطوطاليس وعلماء المسلمين دون ان يخوض في تفاصيل هذه المسالة)
3-والسبب الثالث سبب خفي وهو ان الشهوة والعواطف غير العقلانية تؤثر في الجانب الادراكي فتجعل الانسان يطيع رغباته وشهواته باستخدام الحيل المعرفية والفقهية فتحسن له القبيح وتقبح له الحسن,
ومثل هذه الحجج يستخدمها القرآن الكريم ومن امثلة ذلك تحريم الخمر. هذا المسلك يواجه عوائق وهنا قد يحسن بنا ان نذكر أسباب الاعتقاد الخطأ والسلوك الخطأ:
1-قد يكون سببه الجهل.
2-وقد يكون سببه على الرغم من معرفة الانسان ما هو صحيح ضعف الإرادة كما قال ارسطوطاليس اولتاثيرعواطف غير عقلانية عليه كخداع النفس والكبرياء والعناد والمصلحة الضيقة والعداوة والحسد والتحيز وغيرها كما قال كثير من علماء المسلمين عكس ما قاله سقراط حيث قال الفضيلة علم والرزيلة جهل (اختار المعلق راي ارسطوطاليس وعلماء المسلمين دون ان يخوض في تفاصيل هذه المسالة)
3-والسبب الثالث سبب خفي وهو ان الشهوة والعواطف غير العقلانية تؤثر في الجانب الادراكي فتجعل الانسان يطيع رغباته وشهواته باستخدام الحيل المعرفية والفقهية فتحسن له القبيح وتقبح له الحسن,
والمسلك اللآخر هواقناعه بحجج عقلية او تجريبية او وجدانية او غيرها.
ومثل هذه الحجج يستخدمها القرآن الكريم ومن امثلة ذلك تحريم الخمر. هذا المسلك يواجه عوائق وهنا قد يحسن بنا ان نذكر أسباب الاعتقاد الخطأ والسلوك الخطأ:
1-قد يكون سببه الجهل.
2-وقد يكون سببه على الرغم من معرفة الانسان ما هو صحيح ضعف الإرادة كما قال ارسطوطاليس اولتاثيرعواطف غير عقلانية عليه كخداع النفس والكبرياء والعناد والمصلحة الضيقة والعداوة والحسد والتحيز وغيرها كما قال كثير من علماء المسلمين عكس ما قاله سقراط حيث قال الفضيلة علم والرزيلة جهل (اختار المعلق راي ارسطوطاليس وعلماء المسلمين دون ان يخوض في تفاصيل هذه المسالة)
3-والسبب الثالث سبب خفي وهو ان الشهوة والعواطف غير العقلانية تؤثر في الجانب الادراكي فتجعل الانسان يطيع رغباته وشهواته باستخدام الحيل المعرفية والفقهية فتحسن له القبيح وتقبح له الحسن,